إزاى أرد الدين لأمى من غير ما اخسر نفسى؟
أمى شايفه إنى اخترت نفسى وبعتها هى علشان اللى بحبه عايز يتقدملى وهى مش حباه. من زمان بتقولى كدا، بس أنا فكرت إنه مع الوقت هتوافق وهتعمل اللى أنا عايزاه.
هى شايفه إنى خيبت آمالها.. كلامها وجعنى وهى بتقول «عوضى عليك يارب».
بابا متوفى وأخويا من وأنا صغيرة، وهى قعدت كل عمرها علشان تربينى وتحافظ عليا ومارضتيش تتجوز. كله بيشهد بتربيتى وعقلى، بس من كلامها بتقول «إنى ما اتربيتش».. حاسه كأنى خنتها، وضيعت عمرها. ولازم علشان أرد الدين أضحى باختياراتى فى الحياة.
أراضيها ازاى من غير ما أجرحها ولا أغير قناعاتى فى الحياة؟

أختى العزيزة..
أشكرك لسؤالك الهام جدا.. وخلينى أجاوبك مباشرة..
رد الدين الحقيقى لوالدتك هو أن تكونى نفسك.. كما تشعرين وكما تريدين.. مش زى ما أى حد غيرك عاوز.. حتى لو كانت والدتك نفسها..
رد الدين الحقيقى لوالدتك هو إنك لا تضحى باختياراتك فى الحياة علشان أى حد.. ابتداء من والدتك نفسها..
رد الدين الحقيقى لوالدتك هو إنك تفكرى.. وتحسبى.. وتقررى.. وتتحملى مسئولية قراراتك بكل شجاعة.
إحنا عندنا خلط كبير فى مفاهيم التربية ومقاييس نجاحها يا صديقتى.. متصورين إن تماهى الأبناء مع ما يريده الآباء والأمهات تربية.. وإن خضوع الأبناء لإرادة وتحكم والديهم نجاح.. وإن الغاء الأبناء لتفردهم واختلافهم ومتطلبات جيلهم وحياتهم (رد للدين)..
ومانعرفش.. ونجهل تماما:
إن نجاح التربية معناه إن ابنى أو بنتى يكونوا أحرار فى قرارتهم واختياراتهم..
وإن نجاح التربية هو إن أبناءنا مايتكتفوش بالإحساس بالذنب ناحيتنا..
وإن نجاح التربية ــ التربية الحقيقية ــ هو إن أولادكم يكون عندهم القدرة إنهم يقولوكم (لأ)..
حقك فى الاختيار لنفسك يا عزيزتى مش (بيع) لأمك..
وقرارك ــ حتى لو كان مختلفا عنها ــ مش (خيانة) ليها..
وممارستك لقناعاتك فى الحياة، مش مفترض إنه يجرحها ولا (يخيب أملها)..
يا كل أم وأب..
إنجابكم لأبنائكم كان باختياركم.. مش باختيارهم..
وتربيتكم ورعايتكم ليهم كان ممارسة طبيعية وثمن منطقى لهذا الاختيار.. مش دين..
وارتباطكم أو عدم ارتباطكم بعد الانفصال أو الوفاة هو حق لكم.. استخدمتوه أم لم تستخدموه..
ماتحملوش أبناءكم ذنب اختياركم..
وماتدفعوهمش تمن ممارستكم لمسئولية هذا الاختيار..
وماتطلبوش منهم يتنازلوا عن حق، انتم قررتوا التنازل عنه..
أبناؤكم ملك نفسهم.. ملك الحياة.. ملك ربنا..
مش ملككم..
مش مطلوب منهم يحققوا أحلامكم بدل أحلامهم..
ولا ينفذوا مشاريعكم عوضا عن مشاريعكم..
ولا يكونوا عند توقعاتكم اللى هما مالهومش أى علاقة بيها..
ده النجاح الحقيقى للتربية..
وده الرد الحقيقى للدين (رغم تحفظى على المعنى)..
دعواتى معك..

د. محمــد طــه