دكتور محمد..
وأنا بأقرأ كتاب «ذكر شرقى منقرض» مش هانكر أنا كنت معجبة بالكلام جدا ومقتنعة بيه مليون فى المية، بس للأسف ماكنتش عارفة أقرأ براحتى، كل مقطع سامعة صوت أبويا فى ودنى بيقوللى: «هى دى الحاجات اللى بتبوظلك دماغك»، وكل ما يجى مقطع بيقر إن الست راسها براس الراجل، أو متساوية معاه بالظبط، أسمع صوت استياؤه فى ودنى، والصوت بتاعه فى دماغى بيقول: «اهى هى الحاجات دى السبب فى خراب البيوت، أومال احنا بيتنا اتخرب ليه».
باشوف بعنيا فى خيالى راسه وهى بتهتز بالرفض والاستياء والتكشيرة اللى على وشه وهو بيقرأ.
باسمعه صوت مُعاكس لصوتى، بيرد فى كل مقطع أقراه فى الكتاب لدرجة انى كنت بعيط وبعانى.
كنت بأقرأ بخوف يا دكتور.. كنت خايفة وأول مرة يحصل معايا كده.. يمكن أصعب كتاب أقراه.
بيقعد يقوللى دماغك بايظة لمجرد اقتناعى بالفكر السوى الطبيعى، والدين الوسطى اللى هو بيتتريق عليه وشايفه فساد مجتمعى ودينى.
للأسف هو و إخواتى بيفكروا نفس التفكير وبنفس المواصفات اللى مكتوبة فى الكتاب.
طبعا أنا بتجنب أى نقاشات معاه عشان بتؤدى لخناقات كبيرة.
يا دكتور أنا عارفة ان بابايا خلاص سنه كبر وصعب يتغير، بس صعبان عليا إخواتى يطلعوا بنفس الفكر، وطبعا انى اقترح عليهم العلاج النفسى محدش فيهم مقتنع، وشايفينها حاجات «ملهاش لازمة» و«رمي فلوس فى الأرض» و «تبويظ دماغ».
اقترحت على أخويا الكبير يقرأ كتب حضرتك رفض، هو بيكره حتى القراية، فمش عارفة اساعدهم ازاى.
و هل الوساوس والأصوات اللى مش بتاعتى، واللى بتجرى ورايا طول الوقت دى أقدر أخلص منها؟
حرفيا تعبانى وبتخلينى فى شتات، وبتخلينى أعيط طول الوقت، وبابايا بيقعد يقوللى «خليكى صدقى فى الكلام اللى بيتقال برة ومتصدقيش كلام أبوكى، أصلهم هيعرفوا مصلحتك أكتر منى». اللى هو كتير يخلينى أسأل نفسى: هو اللى صح وأنا اللى غلط ولا العكس.. ولا إيه بالظبط؟
حتى لما دماغى تقولى إن أنا صح، الصوت الداخلى بيفضل يجرى ورايا برضه.

أختى العزيزة..
فاهم ومقدر وقادر أتصور جدا اللى بتوصفيه..
عاوز أقولك إن كلام ومواقف وحركات وأفعال وردود أفعال آباءنا وأمهاتنا معنا أثناء تربيتنا فى الصغر.. بتتحول شوية شوية إلى أصوات داخلية تعيش معانا طول حياتنا فى الكبر.
طبعا على حسب نوع وشكل التربية.. بيكون فيه أصوات حانية وداعمة وراعية.. وأصوات أخرى ناقدة لائمة محبطة.
لكن يا عزيزتى..
إحنا ــ والحمدلله ــ نقدر نقلل من قوة ووطأة وتكرار هذه الأصوات داخلنا.. ونقدر نصغر حجمها.. ونضعف صداها.. لغاية ما تتلاشى وتختفى تماما..
عارفة نقدر نعمل ده إزاى؟
نعمله بإننا نحط جوانا أصوات أخرى غير أصواتهم (الناقدة اللائمة المحبطة ــ اللى غالبا هما كمان اتربوا عليها وماعرفوش غيرها).. نزرع داخلنا أصوات أخرى مختلفة.. توصل رسائل مختلفة.. ومشاعر مختلفة.. وأفكار مختلفة..
صوت حد بيحبك وبيحترمك بدون شروط ولا أحكام ولا طلبات ولا مقارنات.
صوت حد شايفك وقابلك زى ما انتى..
صوت حد بيدعمك ويشجعك..
صوت الوعى النفسى اللى بتقريه فى الكتب..
صوتك انتى شخصيا، واللى باطلب منك تصدقيه وماتشُكيش فيه تانى..
وطبعا صوت العلاج النفسى لو كل اللى فات ماكانش كفاية..

عاوز أقولك حاجتين..
الحاجة الأولى.. مش مطلوب منك تغيرى والدك ولا إخواتك.. مطلوب منك تغيرى نفسك فقط.. وصدقينى.. دى أحسن مساعدة تساعديها ليهم.
والحاجة التانية.. هى إنى هاسمعك دلوقت أصوات أخرى كتير مع صوتى اللى بأرد عليكى بيه هنا وفى الكتب وغيره.
هاسمعك أصوات ناس ماتعرفيهاش.. بعضهم جايلك من ظروف شبه ظروفك.. بعضهم عاش حياة زى حياتك.. وبعضهم تعاطف معاكى دلوقت وهما بيقروا كلامك.
أنا بادعو كل اللى هايقرا الاستشارة دى إنه يقولك كلمة فى تعليق.. يكتبلك جملة فى الردود هنا.. وعاوزك تقرأيهم كويس.. وتسمعيهم بصوته أو بصوتها.. وتحتفظى بيهم جواكى.. مع صوت والدك ووالدتك.. اللى هاياخد بعد شوية حجمه الحقيقى.. ويخفت ويخفت.. إلى أن يكف عن مطاردتك وازعاجك..
أنا هابدأ وأقولك: «صدقى نفسك.. انتى كبيرة ومسئولة»..
مين تانى هايقول إيه؟

د. محمـد طــه