– سلام عليكم أستاذنا الفاضل د. محمد طه..
الحقيقة انا من المتابعين للصفحة و استمتع كثيرا و استفيد من كتاباتك و مقالاتك الهادفة جزاك الله خيرا..
المشكلة متعلقة بنمط الحياة و العادات الغذائية. الفكرة اننى اعتدت منذ صغرى على تناول الحلويات و المخبوزات باستمرار و ذلك لأن امى كانت ماهرة فى الطبخ، و لم أعتد مزاولة الرياضة بالطبع! و مع الوقت زاد وزنى بطبيعة الحال و كنت طفلة مشهورة ب وزنها الزائد و كنت أتعرض لبعض المضايقات فى الصغر بسبب ذلك.
و نتيجة العادات الغذائية السلبية للأسرة، زاد وزنى أصبحت مشكلة مستمرة بالنسبة لى، حتى وصلت للثانوية العامة و كان وزنى يقارب 100 كجم!! و كنت طالبة مجهدة و متفوقة حياتى كلها تتمركز حول شيء واحد، المذاكرة و المنافسه فى الدراسه. لم انتبه لصحتى و لا لوزنى و لا لجمالى كانثى وانا افقده تدريجيا بالسمنة و مشاكلها !! حتى تفوقت فى الثانوية العامة و حصلت على مجموع كبير يؤهل لأحد الكليات الطبيه.
و بعد مرور سنه من دخول الكليه، و معرفة بمشاكل السمنه و اضرارها، حيث اننى و لسنوات لم أحاول اتباع نظام غذائي و أكل اى شيء بأى ترتيب و اى كمية و خصوصا الحلويات و المخبوزات، كل تركيز السهر و المذاكرة و خصوصا انى ما يسمونه بالperfectionist (مثالى) هو أمر آخر قد سبب و لا يزال يسبب لى العديد من الضغوط النفسية و المشاكل الجسام!
بدأت فى مرحلة الكليه باتباع أنظمة للتخسيس من الكتب و المجلات، و معظمها كان قاسيا!! و بدأت أفقد بعض الوزن، و ما أن أعود ثانية للدراسة و الامتحانات و المحاضرات الطوال المجهدة حتى أعود لاكتساب الكيلو جراما ت التى فقدتها، و يزيد الضغط النفسي على أنه يجب على التخلص من عبء الدراسة لأهم بوزنى و صحتك و جمالى ! كنت أقول لنفسي لا يهم بعد التخرج سوف أركز و أفقد وزنى و استعيد جمالى الذي فقدته تدريجيا بالسمنة و مشاكلها من الترهلات و المشاكل الجلديه و تساقط الشعر نتيجه الضغط العصبي و سوء توعيه الغذاء! و أعود ثانيه لنظام آخر و أفقد بعض الوزن و هكذا ما يسمى بالyoyo dieting
استمر هذا الحال حتى تخرجت، واستلمت العمل، و واجهت انتقادات و سخرية من الزملاء بأماكن العمل التى التحقت به بسبب وزنى، و اعلانى فى معظم الوقت اننى بعمل دايت!
و لكن بعد التخرج و نتيجة لبعض الأنظمة المتتالية و بعض الرياضه فقدت الكثير من الوزن.. لم أصل لوزنى المثالى و لكن تغير شكلى لحد كبير، ولكن الآثار الجانبية للسمنه لم تختفى بالكامل بالرغم من محاولات متعددة لعلاجها بالأدوية ومستحضرات التجميل و العلاج الطبيعى و الذي أنفقت عليه مبالغ طائلة حتى الآن دون جدوى واضحه! يعد التخرج على عكس ما قبل حرصت على الذهاب للمتخصصين فى مجال السمنه و التغذية و التجميل و غيرها لعلاج المشاكل الصحية و التجميلية الناتجة عن السمنه و فقدان الوزن.
هذا الأمر سيطر و لا يزال يسيطر على حياتى و عملى و ثقتلى بنفسي بالكامل. نعم وزنى وما خلفه من مشاكل عضوية و نفسية يكاد يدمر حياتى بالكامل بالرغم من ما أنعم الله به على من علم و ثقافة و مستوى مادى جيد !
و على مدار عام كامل و هو العام الماضي تحديدا واظبت بكل حماس على نظام غذائي موصوف من متخصصين و مزاولة الرياضه بانتظام و بالفعل تحسن شكلى كثيرا و فقدت الكثير من الوزن بالرغم اننى و طوال ذلك العام كنت فى إجازة من عملى الذي تركته لبعض المشاكل الخاصة بإستكمالى للدراسات العليا !
و بسبب احساسي أن دراستى و عملى و تركيزى فيها و الضغط العصبي الشديد و حرصي على المثالية فى كل خطوة !! سوف يؤدى لأهمالى لصحتى وزنى و بالتالى لتأخر زواجى! مما أدى لسوء حالتى النفسية وتركى للعمل. و كنت أظن اننى سوف اهتم بصحتى اكتر فى وقت فراغى و سوف أحدث التغيير المطلوب!
فى ذلك العام الذي حاولت فيه الالتزام و ممارسة الرياضه وتم ذلك بالفعل، و لكن مع معاناة شديدة و نوبات من الاكتئاب و الضغط النفسي ليس فقط بسبب اتباع أنظمة معينه تشعرنى فى بعض الأحيان بالحرمان بالإضافة لعدم استكمالى لدراسة الماستر و توقف تقدمى فى الكاريير ومشاكل أخرى.
المشكلة الأساسية ليست فقط فى الضغط النفسي المصاحب للنظم الغذائية بل أيضا أن كل المشاكل الأخرى تؤدى بى للstress eating، و فى الأشهر القليلة الماضية بعد أن نجحت فى ممارسة الرياضه و الوصول لوزن جيد أصبت باكتئاب شديد و نوبات هلع، و متاعب صحية أخرى أساسها نفسي. و تركت الرياضه، و أصبحت التهم الأطعمة بكميات و نوعيات أعلم جيدا ضررها على الوزن وا تناولها وانا اعلم اننى أؤذى نفسي و لكننى مستمرة فى ذلك و لا ادرى لماذا تلك الرغبة فى معاقبة النفس بالرغم من احساسي الشديد بالذنب من هذا !
و اكتسبت الوزن مجددا وأضعت مجهود ما يقرب من 9 أشهر كاملة!! بكامل قواى العقليه وأعلم اننى سوف أعانى مجددا فى رحلة التخلص من ذلك الوزن و ان هذا امرا ليس هينا..
لا أدرى كيف تتخلص من هذا الامر؟! هل هذا تكرار قهرى كما وصفت حضرتك سابقا !؟ احس ان سنوات عمرى تضيع منى بهذا الشكل ! و لا استطيع تحقيق حلم العمر فى الحصول على وزن مناسب و شكل مرضى بالنسبة لى !! بالرغم من معرفتى بمفاتيح الحل! فقد تسبب لى اكتساب و فقدان الوزن المتكرر هذا فى متاعب صحية وأصبحت أعانى من مشاكل أخرى جمالية ايضا ! تؤثر بشدة على نفسيتى و انتاجيتى و قدرت على استئناف العمل
ارجو مساعدتى بالمشورة فى هذا الامر، حيث اننى لا أدرى لماذا أقوم بتكرار نفس المشكلة و هى اكتساب الوزن مجددا والتى تتسبب لى فى مشاكل صحية و اجتماعية و نفسية و مادية، و مع ذلك اميل لتكرارها مع نوبات الاكتئاب و التوتر والضغط النفسي…
تحياتى
- – صديقتى العزيزة..
أشكرك على الرسالة والإطراء..
قبل ما اكتب أى إجابة يهمنى أولاً إنى أقولك إن علاجك مش فى الكلام الجاى خالص.. انتى محتاجة جداً للعرض على طبيب أمراض باطنية أو سمنة لعمل التحاليل والأشعات اللازمة، وكمان تتابعى مع طبيب نفسى لمدة قد تطول. لكنى هاكتب هنا رأيي وتحليلى علشان أشاورلك على بعض الحاجات المهمة، وكمان للفائدة العامة (بعد إذنك طبعاً)..
ثانياً أنا ممكن أجاوب على مشكلتك إجابة طويلة ومفصلة جداً، ومليانة تشخيصات ومصطلحات علمية نفسية صعبة جداً، لانها مشكلة كبيرة وهامة ومعقدة، لكن ده هايحتاج عشرات الصفحات، وهو ما لا يمكن هنا..
المهم.. عاوزك تعيدى معايا قراءة الجمل التالية من خطابك:
– و كنت طالبة مجهدة و متفوقة، حياتى كلها تتمركز حول شيء واحد، المذاكرة و المنافسه فى الدراسه. لم انتبه لصحتى و لا لوزنى و لا لجمالى كانثى.
– و خصوصا انى ما يسمونه بالperfectionist (مثالى)
– كنت أقول لنفسي لا يهم بعد التخرج سوف أركز و أفقد وزنى و استعيد جمالى الذي فقدته
– وزنى وما خلفه من مشاكل عضوية و نفسية يكاد يدمر حياتى بالكامل بالرغم
– بعد أن نجحت فى ممارسة الرياضه و الوصول لوزن جيد أصبت باكتئاب شديد و نوبات هلع
– وانا اعلم اننى أؤذى نفسي و لكننى مستمرة فى ذلك و لا ادرى لماذا تلك الرغبة فى معاقبة النفس بالرغم من احساسي الشديد بالذنب من هذا!
فى الحقيقة الجمل دى فيهم أصل المشكلة.. وسببها.. وكمان حلها..
طبعاً مع التسليم بالأسباب الجينية والبيئية والاستعداد الوراثى وغيرها من العوامل اللى ممكن تسبب أمراض نفسية أو جسمانية، فحضرتك علاقتك بجسمك محتاجة إعادة نظر..
إحنا طول الوقت فى حوار مع جسمنا حتى لو ماخدناش بالنا من ده.. فيه رسايل بنوصلها لجسمنا، وفيه رسايل وردود بيوصلها جسمنا لينا.. فيه لجسمنا لغة.. وتاريخ.. ومعانى..
تصورى لما جسمك (كأنثى بشكل خاص) يوصله منك إنك فى فترة كبيرة من حياتك كنتى بتهمليه ومش مهتمة بيه فى مقابل المنافسة والمذاكرة والمثالية وغيرها.. تصورى لما يوصله بكل بساطة إن وجوده مش مهم، والاهتمام بيه مؤجل.. وإنه حتى فى بعض الأحيان -بالنسبة لك- مش موجود أصلاً..
عارفة لو طفل صغير حسستيه إنه مش مهم وانه مش موجود هايعمل إيه؟ هايكسر ويخبط ويصرخ ويخرب الدنيا علشان مجرد يحسسك إنه موجود.. جسمك كان بيصرخ ويقولك أنا موجود.. بيقولهالك بصوت عالى فى صورة وزن زائد.. بيقولك (أنا موجود).. (أنا ليا وزن وقيمة).. أنا مش هاسمحلك تتخلى عنى..
طيب.. بعد ما حاول يوصلك الرسايل دى، حضرتك كنتى بتعملى إيه بقى؟ كنتى بتقبليه؟ كنتى بتقبلى جسمك كما هو؟ كنتى بتسمعيه؟ كنتى بتحاولى تعملى معاه أى علاقة طيبة من أى نوع؟ لا.. بالعكس.. انتى كنتى بتدخلى معاه فى خناقة اسمها الدايت ونظم الريجيم الغذائى بكل أساميها الشيك.. عاوز أقولك إن أى نظام غذائى مهما كان ناجح، وأى دايت مهما كانت مشهورة، وأى ريجيم مهما كان قاسى مش هايعمل أى حاجة طول ما انتى مش قابلة جسمك، طول مانتى حاسة بالخجل والخزى والعار منه.. طول مانتى فى خناقة معاه، طول مانتى بتكرهيه، علشان أى خناقة مع جسمك هاتتطلعى منها خسرانة..
تخسى حضرتك زى ما حصل.. يطلع فوراً من جواكى إحساس بالذنب واكتئاب وقلق وتوتر.. لأنك ببساطة قللتى شوية كيلوجرامات.. بس ماحلتيش الخناقة اللى بينك وبين جسمك.. وماقبلتيهوش الا قبول مشروط.. وقولتيله بالفم المليان (أنا مش هاقبلك إلا لو كان وزنك كذا، ومش هاحبك إلا لو كان وزنك كيت).. ارجع تانى واقولك تصورى لو حد فى يوم من الأيام قالك أنا مش هاقبلك واحبك الا لو عملتى كذا او كنتى كذا، هاتحسى بإيه؟ اختزال وتشويه واكتئاب وقلق وهلع.. وطبعاً بعد شوية وزنك هايزيد تانى، وشوية الكيلوجرامات اللى قصيتيها من نفسك ورميتيها فى الشارع هاترجع للحلبة من جديد..
وفرى على نفسك الدايت، واحفظى الكلمتين دول عن ظهر قلب: احسن حاجة تغيرى بيها اى حد او اى حاجة هى انك تقبليه زى ما هو.. عاوزة تغيرى ابنك وصليله انك قابلاه كما هو (وان كنتى غير موافقة على بعض تصرفاته) مش رافضاه ورافضة وجوده.. عاوزة تغيرى نفسك اقبليها ووسامحيها وحبيها كما ما هى الأول (مهما كانت ومهما عملت)، مش ترفضيها وتعذبيها وتكرهيها وتبى عايزة تخلصى منها.. عاوزة تغيرى جسمك اقبليه وحبيه وافخرى بيها كما هو، هاتلاقيه غالبا اتغير لوحده بأقل مجهود وأسهل نظام غذائى..
نيجى بقى نتكلم عن الأهم.. احنا ساعات جسمنا بيكون عامل زى المخزن.. بنخزن جواه بعض المشاعر الصعبة اللى مش عارفين نوديها فين..
كلام غريب؟ لا مش غريب اوى الحقيقة..
ساعات بنخزن فى جسمنا الغضب.. غضبنا من نفسنا ومن اللى حواليانا.. غضبنا من اللى أذونا واللى شوهونا.. غضبنا من العالم والظروف.. من الناس والمواقف والأحداث.. كتير جداً من اللى وزنهم زائد بيكون جواهم طاقة غضب رهيييييييبة، مش ماتعودوش او ماسمحوش لنفسهم أو ماتسمحش ليهم يعبروا عنها.. فيودوها فين؟ يخزنوها ويكبتوها فى جسمهم.. ويزيد جسمهم وينتفخ بلا حدود..
ساعات كمان بنخزن فى جسمنا مشاعر الإحساس (المرضى) بالذنب، واللى بيكون فعلا زائد جداً عن اللزوم، ومش قادرين نوجهه لحد بره، فنعيد توجيهه ذاتياً ونخزنه جوانا.. جوه نفسنا وجوه جسمنا.. ويتحول جسمنا -بكل أسف- إلى كتلة هائلة من الشعور بالذنب يتناسب وزنها وحجمها طردياً مع كمية وحجم هذا الشعور..
كمان ساعات بنملا جسمنا بحاجة أصعب.. حاجة اسمها (الانتقام).. لما بيكون جوانا رغبة عارمة وطبقات متراكمة من الانتقام.. الانتقام من النفس( وانتى عبرتى عن ده حرفياً) او من الاخرين.. الانتقام من الحياة، ومن الحب ومن البشر.. انتقام هائل كبير مدمر.. عامل زى القنبلة النووية اللى قررنا ندفنها فى أعمق أعماق نفسنا.. وجسمنا..
وحاجات تانية كتير أوى.. محتاجة تتشاف وتتقبل وتتحل.. قبل ما تفكرى تخسى أو تزيدى..
صديقتى العزيزة..
رغم أن المشكلة تبدو عن علاقتك بجسمك.. لكنها فى الحقيقة عن علاقتك بنفسك..
صلحى علاقتك بنفسك (اللى جزء منها أنوثتك).. تتصلح علاقتك بجسمك..
شكراً ليكى على شجاعة عرضك..
وربنا معاكى..
د. محمد طه