أنا كنت بحب واحد قوى، وسيبنا بعض. الموضوع قعد ٥ شهور بس. بس احنا بقالنا ٦ شهور زيادة عن الـ٥ دول فى حلقة مفرغة، كل شوية أحاول أبعد بيرجع يقربنى منه بكلمتين، ولما بارجع أقرب وأقوله قد إيه أنا بحبه بيقولى أنا مقدرش ارتبط (هو كان متجوز قبل كده وعنده طفل) وهو عايز يعيش حياته. مش عارفة إذا بجد بيحبنى أصلا. بس أنا تعبت من الحلقة دى، وحياتى كلها متأثرة بحبه، ومش عارفة أبعد عنه أو أنساه، وكرامتى كده اتهانت جامد. تنصحنى بإيه؟
ــ صديقتى العزيزة
انتى بتوصفى لعبة من أشهر الألعاب النفسية فى العلاقات وأكثرها انتشارا وإنهاكا. وممكن تحصل من الطرفين (الرجل أو المرأة).
فى اللعبة دى، تلاقى حد بيقرب منك (سواء واحد أو واحدة)، ويقرب أكتر.. ويعشمك بمزيد من القرب والود والدفا.. وأول ما تطمنى وتقربى انتى كمان، تلاقيه اتغير من دون أى سبب واضح.. والمسافة بينه وبينك بعدت فجأة.. وراح الود.. وراح القرب.. وراح الدفا.. ومابقاش فاضل غير العشم.
تمام؟
لا مش تمام..
علشان الحكاية كده ماخلصتش..
دى الحكاية لسه بتبدأ.
لأنك أول ما تبدأى تيأسى، وتقولى خلاص مافيش رجا، وتاخدى أول خطوتين فى البعد.. تلاقيه برضه من غير أى مبرر مفهوم بدأ يقرب تانى، وياخد بدل الخطوتين تلاتة.. والعشم يزيد، والود يرجع.. وتحسى بالدفا والأمان جاى هناك أهو.. وتسيبى نفسك.. وتسلمى مفاتيحك.. و.. استنى.. استنى.. إنتى رايحة فين؟
هو عند اللحظة دى بالظبط.. اللحظة اللى تطمنى فيها وتآمنى وتسيبى نفسك تقربى منه تانى.. هيلعب نفس اللعبة.. ويبعد فجأة.. أو بالتدريج.. أو أى حاجة.. المهم إنه هيبعد.. ويسيبِك لوحدك من جديد.. زى اللى تايهة فى الصحرا.. مش طايلة موت، ولا حياة.
فيه ناس (بوعى أو من غير وعى) بتحترف اللعبة دى.. لعبة القرب والبعد.. لعبة العشم والصد.. لعبة الحياة والموت.. وبيمارسوها فى كل وأى نوع من العلاقات.. علاقة حب.. علاقة صداقة.. علاقة عمل.. علاقة زواج.. علاقة تربية.. وغيرها وغيرها. وبيستمتعوا بممارستها بشكل هو أقرب للإدمان.
اللعبة دى فى منتهى الخطورة؛ لأنها بتلخبط الطرف التانى، وتحيره، وتملاه أسئلة من النوع الحاد المسنون الجارح، اللى مالهوش إجابة: يا ترى هو بيحبنى واللا مش بيحبني؟ يا ترى هو عاوزنى واللا مش عاوزني؟ طيب أنا عملت إيه؟ هو أنا زعلته فى حاجة؟ طيب هو بيعمل كده ليه؟ هو فيه إيه؟ لغاية ما يشك فى نفسه أو تشك فى نفسها، وتتردد فى خطواتها.. القرب مؤذى.. والبعد برضه مؤذى.. وينتهى الأمر إما بشلل نفسى وانطفاء روحى.. وإما بالتحول إلى قطعة صغيرة من الشطرنج فى يد ذلك اللاعب المحترف.
على الجانب الآخر.. اللى بيلعب اللعبة دى بيكون غالبا اتعرض فى حياته لصدمة نفسية بشعة من حد كان قريب منه جدا (من أول أبوه وأمه لغاية أى حد تانى). الصدمة دى خلته مقسوم نصين من جواه.. نص عاوز يقرب.. ونص خايف من القرب.
نص بيقرب علشان يشبع احتياجاته النفسية..
ونص بيبعد علشان خايف من تكرار الصدمة.
نص نفسه يقرب لغاية ما يدوب فى الطرف التانى..
ونص نفسه يبعد أحسن يدوب فعلا ومايلاقيش نفسه بعد كده.
نص عاوز يقرب لغاية ما يبلع..
ونص عاوز يبعد أحسن يتبلع.
خناقة نفسية داخلية عنيفة.. بيدفع تمنها كل حد يعدى جنب هذا الشخص المسكين، المحتاج جدا.. واللى خايف من احتياجه فى الوقت نفسه. محتاج جدا للناس، وخايف منهم بنفس الدرجة. محتاج جدا لأى حد، وخايف جدا من كل حد.
اللعبة دى صعبة ومتعبة ومرهقة.. عاملة زى الحبل.. اللى يرخى شوية لغاية ما تتطمنى انه ساب.. بعدها يتشد شوية لغاية ما تخافى إنه يتقطع.. ويتكرر ده تانى وتالت وعاشر.
علشان كل ده.. مافيش هنا غير حل من اتنين..
إما إن هذا الشخص يتعالج نفسيا.. وتطمنى إنه خف واتحسن واتغير..
أو ــ لو رفض أو ماتغيرش ــ ترحمى نفسك من هذا العذاب المزمن.. وتقفلى باب العلاقة دى بالضبة والمفتاح..
لأن التمن هنا..
هو انتى..
د. محمـد طــه