وسط كل المقالات والكتب والفيديوهات.. وأمام كل تعليقاتكم ورسائلكم وصوركم.. وأمام عدد متابعى الصفحة اللى باسطنى الحمدلله، لكنه خاضضنى جداً جداً.. ومش عارف أعمل إيه قدام مسئوليته المرعبة..
فيه بعض الحاجات المهمة جداً، اللى أحب أطرحها وألفت النظر إليها.. أنا أشرت ليها سابقاً فى مقالات وفصول متفرقة.. وباكتبها بشكل ثابت فى بداية كل كتاب لى.. لكنى أحب أن أذكر نفسي وأذكركم بها المرة وراء الأخرى:
– لا يمكن أبداً تعميم ما أراه أو ما أكتبه، وسحبه على كل الناس وكل الظروف وكل السياقات.. ما أكتبه هو نتاج تفاعلى (الشخصي) مع الأحداث والمتغيرات، وانطباعاتى وفهمى وتفسيرى (أنا) لها، واجتهادى فى تحليلها والاستنتاج منها (بقدر ما أفهم وأعلم). العامل الشخصى هنا مهم جداً، استقبالى للأمور يختلف عن استقبالك لها (فيه ألف عامل بيؤثر فى الاستقبال والإدراك بيختلفوا من شخص لآخر- من أول تركيبته النفسية وحتى درجة حرارة الجو حواليه).. وتفسيرى وتحليلى لا يلزم تطابقه مع تفسيرك وتحليلك على الإطلاق.. بل لا يلزم صوابه من الأصل. رأيي اليوم قد يتغير غداً.. ورؤيتى بالأمس قد تتغير اليوم.
– مهم جداً أمام أى نص أو كتاب أو فيديو، الانتباه للسياق اللى تم فيه كتابة أو قول كل كلمة وكل جملة وكل بوست.. ما يتم كتابته فى سياق جريمة قتل لا يجب تعميمه على علاقة عاطفية.. وما يتم التعبير عنه فى سياق علاقة عاطفية لا يمكن سحبه على كل العلاقات الانسانية.. وما يبدو صحيحاً وواضحاً اليوم.. قد يثبت خطأه واهتزازه غداً.
– يجب أن تراجع وتقيس كل ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد -سواء لى أو لغيرى- على ظروفك وتفاصيلها، وحياتك وموقفك منها، وعلاقاتك (من وجهة نظرك) ورؤيتك (أنت) لمدى صواب أو خطأ ما هو أمامك، ونقدك (الذاتى) له، ومراجعتك (الشخصية) ورأيك (الفردى) فيه. مافيش حد هنا نبى.. الكل هنا -فى أحسن الأحوال- مجتهد يرجو حسن اجتهاده.
– احنا أحياناً بنميل لتقديس من نحبهم، وننزع لتأليه بعض الناس نتيجة عوامل مختلفة.. وعندنا استعداد للاعتمادية إلى حد ما على من يقدم لنا النصيحة أو المشورة أو الفتوى.. وده غير مفيد ولا منتج ولا مساعد على النمو والنضج.. ويؤذى الطرفين بشكل كبير.. اسأل كما شئت.. اسمع واقرأ وشاهد كما شئت.. لكن خد اللى قرأته أو سمعته أو شوفته، وزنه بميزان عقلك (اللى هو لا يقل بأى حال من الأحوال عن عقل من قرأت أو سمعت أو شاهدت).. فكر.. ودور.. وقارن.. واوصل لما تراه مناسباً لك.. فى لحظتك، وظروفك، وسياقك. القاعدة دائماً هى: “استفت قلبك وان أفتاك الناس وأفتوك”.
– أول ما قرأت لأستاذ الأساتذة دكتور يحي الرخاوى كان مقدمة من عدة أسطر لأحد كتبه.. كتب فى هذه المقدمة حاجتين مش ناسيهم لغاية دلوقت: الحاجة الأولى هى انه بيطلق على أعماله طول الوقت انها أعمال ناقصة.. مشاريع غير مكتملة.. لأنها دائماً قابلة للمراجعة والتحرير وإعادة النظر والتطور.. والحاجة التانية هى إن أى حد بيكتب فى علم النفس -من أول فرويد- هو بيصبغ ما يكتبه بألوان نفسه هو شخصياً- بوعي أو بدون وعي.. وان العالم الداخلى للكاتب مفتوح على ما يكتبه.. وان الكاتب بيكتب نفسه على الورق.. وانه أى نظرية نفسية تم وضعها هى فى الأصل وقبل كل شئ تصف صاحبها بتكوينه وتاريخه ومعتملاته الداخلية.. طبعا لو فكرنا هانلاقى ان ده مش بس يخص الكتابة النفسية.. ده يخص ما هو أكبر وأشمل بكتير.
– لو حد فيكم شافنى وأنا بكتب (خاصة الكتب)، مش هايصدق إنى أحياناً بزود المسافات بين (بعض) السطور علشان اللى بيقرأ ياخد نَفَسه شوية بين مقطع معين ومقطع آخر (لإحساسى بكثافة المقطع الأول).. وإنى باختار إيه الكلمة اللى تنتهى بيها (كل) صفحة علشان ماسيبش القارئ فى المسافة بين الصفحتين مُعلق فى حالة ذهنية معينة لا أرجوها.. وانى بأعيد درافت الكتاب لدار النشر عشرات المرات.. علشان أزود (نقطة) هنا.. أو (مسافة) هناك.. باطلع عينيهم حرفياً.. ده طبعاً غير الاجتهاد فى فهم واستيعاب وأمانة نقل وتبسيط المحتوى.. ده دورى ومسئوليتى وجهدى.. لكن يبقى أن ليك أيضاً دور ومسئولية أهم بكتير..
– باختصار شديد.. اسأل نفسك أمام كل كلمة أو جملة: مين اللى كتب؟ كتب ده امتى؟ اتكتب فين؟ إيه السياق اللى ده اتكتب أو اتقال فيه؟ هل الكلام ده يناسبنى؟ هل الكلام ده لازم يكون صح أصلاً؟ هل فيه آراء أخرى قد تكون أصوب أو أنسب؟ اذا كان من يكتب مسئولاً عما يكتب.. فأنت أيضاً مسئول عما تقرأ.. وعما تفهم.. وعما تصدق وتطبق.
– أقتبس أخيراً بعض أجزاء من فصول كتبى.. موجودة بالصور.. أرجو قراءتها بتأنى..
مين يارب يقدر على المسئولية دى؟
د. محمـد طــه