أعتقد أن إعلان الأسامي (بتاع إحدى شركات المياه الغازية) هو أكتر إعلان نجح وانتشر بين المصريين في رمضان 2014.. الشركة دي كتبت آلاف بل ملايين الأسامي بشكل عشوائي على عبوات منتجاتها.. حد عارف ليه الفكرة دي حققت كل النجاح ده؟ أنا أقولكم ليه..

فيه احتياج عام عند البشر جميعًا اسمه (الحاجة إلى الشوفان) Need to be Recognized  يعني إنك تحس من الآخرين اللي حواليك إنك متشاف.. إنك موجود.. إنك مُهم.. إن وجودك ليه معنى وقيمة وتأثير عند الآخرين.. كلنا مولودين بهذا الاحتياج وهو احتياج فطري جدًّا وطبيعي جدًّا، وبنبدأ نسعى وراه ونحاول نُشبعه من سنوات ورُبّما شهور عمرنا الأولى.. الطفلة الصغيرة اللي تلبس فستان جديد وتروح تقول لمامتها: ماما.. شوفي أنا حلوة إزاي! هي في الحقيقة محتاجة تحس إن مامتها شايفاها وإنها حلوة في عيون مامتها، اللي هي كل العالم بالنسبة ليها في السن دي.. الطفل اللي ساعات بيصرخ ويكسر ويلف ويدور حوالين نفسه، هو في الحقيقة عاوز يلفت نظر اللي حواليه ويتأكد إنهم شايفينه.. يتأكد إنه متشاف..

مهم جدًّا إننا نرضى ونُشبِع الاحتياج البسيط ده عند أولادنا.. لأنهم لو كبروا وهُما جعانين للشوفان مُمكن يعملوا أي حاجة ويدفعوا أي تمن علشان يتشافوا.. علشان بس يتشافوا.. من أول الشخص النرجسي اللي عاوز يكون محور الكون ومحطّ أنظار الجميع، مرورًا بالشخصية الهيستيريونية المهووسة باللبس الملون والماكياج المبالغ فيه جدًّا والضحكة اللي تسمّع آخر الدنيا، وانتهاء بالشخص مُتوهم المرض اللي بيحس كل لحظة إنه مريض ومحتاج يكشف ويطّمن على صحته وأشعاته وتحاليله بدون أي مُبرر ولا أي سبب.. فقط علشان يتشاف.. فقط علشان يحس إنه موجود.. وإنه في بؤرة الاهتمام.. على فكرة.. فيه ناس بتقتل علشان تتشاف.. وناس بتهاجر علشان تتشاف.. وناس بتبيع نفسها علشان تتشاف..

ليه بقى إعلان الشركة دي نجح في مصر بالصورة الكبيرة دي؟ علشان في مصر -طول السنين والعقود اللي فاتت-  صعب أوي تكون فيها متشاف.. صعب أوي تتقدر على اللي بتعمله.. اللي بيذاكر ويجتهد وياخد الشهادة الكبيرة.. بيكتشف في الآخر إنها مالهاش أي قيمة.. اللي بيحاول يقدم فكرة جديدة أو يعمل بحث علمي تتهافت المجلات والدوريات الأجنبية علشان تنشره بيلاقي نفسه غرقان في غيابات الجهل والروتين والعادية القاتلة.. اللي بيشتغل شغلانة واحدة بيضطر يشتغل شغلانتين.. واللي بيشتغل شغلانتين بيلاقي نفسه في الآخر معندوش وقت إنه حتى يعيش..

علشان الناس عندنا في مفرمة.. بتفرم أي حد يحاول يلبي احتياجه الطبيعي الفطري في إنه يتشاف، أو أي احتياج فطري طبيعي آخر.. علشان معظم ناسنا عايشين تحت الأرض.. تحت أرض الجهل والفقر والمرض.. علشان كده حلم أي شاب صغير هو إنه يهاجر بره.. وإنه يعيش حياة يحس فيها إنه موجود.. ومؤثر.. ومتشاف.. وعلشان كده برضه، النقص الشديد في تلبية هذا الاحتياج بيخلي كتير من الناس حاسس بأهمية زائفة.. كبيرة.. مبالغ فيها.. بدون مبرر وبدون سبب وبدون تفسير..

في أحد تمارين الإحماء بتاع السيكودراما تمرين اسمه (الأسامي) وفكرته إن كل واحد يقول اسمه وباقي المجموعة تردد اسمه وراه بصوت عالي.. ومش مُمكن تتخيلوا وصف كل واحد لما يسمع اسمه وهو بيتنادى عليه بصوت عالي من مجموعة بيكون عامل إزاي.. حد يحس إنه مبسوط.. حد يحس إنه مطمّن.. حد يحس إن الدنيا نوّرت.. حد يحس إنه موجود.. وكلها تعبيرات مُختلفة عن أصل واحد.. إحساس إني متشاف..

هو ده اللي عملته الشركة.. كل واحد يلاقي اسمه موجود على إحدى عبواتها.. يحس إن الناس شايفاه.. وبتقدره.. وبتفرح بيه.. وبتشيّره على الفيس.. وبتعمله لايك.. وصور.. وبوستات.. وما يشبه الأجواء الاحتفالية.. لمجرد اسم.. بس الحكاية مش بس اسم.. الحكاية في الاحتياج اللي ورا الاسم..

نرجع بقى ونقول:

حسس الطرف الآخر (الأولاد.. الأزواج.. الأصدقاء.. وغيرهم) في علاقتك بيه إنه متشاف.. إنه موجود.. وإن وجوده له قيمة وتأثير.. وإن وجوده مُفرح.. ومُبهج.. وجميل.. ومهم.. علشان البديل مُمكن يكون تمنه غالي أوي..

وكمان لما تحس إنك محتاج الاحتياج ده (إنك تتشاف)، اطلبه.. بدون تردد.. اطلبه بصراحة وبوضوح وبكلام مباشر.. علشان برضه البديل.. مُمكن يكون تمنه غالي أوي..

د. محمد طه