عالم النفس المعروف ابراهام ماسلو (ورفاقه).. وصف ٨ طبقات/مستويات من الاحتياجات النفسية.. سُميت فيما بعد (هرم ماسلو للاحتياجات) Maslow’s Heirarchy of Needs ..
أولها وأهمها للبقاء والحياة الاحتياجات الفسيولوجية Physiological Needs.. زى انك محتاج تاكل وتشرب وتنام.. الاحتياج للهواء.. للدفا.. للجنس..
تليها ولا تقل عنها أهمية الاحتياجات الخاصة بالأمان Safety Needs.. أمان وسلامة الصحة.. الأمان المادى.. الأمان النفسي.. والأمان الشخصى على نفسك وممتلكاتك طبعاً..
بعدها.. انت محتاج تحب وتتحب.. محتاج حد تثق فيه ويثق فيك.. محتاج تتشاف وتتقبل وتُحترم.. تنتمى لحد أو لمجموعة من الناس.. محتاج تحس بدفا وجودك فى عائلة.. محتاج علاقات عاطفية ورومانسية.. محتاج أصدقاء.. دى طبقة الاحتياجات الاجتماعية.. أو الاحتياج (للحب) و(للانتماء) Love and Belonging Needs..
عدم اشباع الاحتياجات دى بيعمل مشاكل نفسية كتيرة جداً..
يجي الدور بعد كده على الاحتياج (للتقدير).. انك تحس انك متقدر من اللى حواليك.. وانك كمان تبقى مقدر نفسك وحاسس بيها ومديها حقها.. يوصلك ان اللى معاك واللى حواليك حاسين بقيمتك وقدرك ومكانتك.. فى الشغل.. فى البيت.. فى الشارع.. فى أى سياق انت موجود فيه.. وانت كمان تحس بقدراتك وامكاناتك ومناطق قوتك.. تحس باستقلاليتك وتفردك.. تحس انك كفاية.. وده اللى يوصّلك بعد شوية لما يُعرف باسم (الثقة بالنفس).. أو (أنا أستاهل) Esteem Needs.
بعد ما تُشبع كل الاحتياجات دى.. يجي الدور على مجموعة أرقى وأعلى من الاحتياجات..
فيه احتياجات (معرفية) Cognitive Needs.. الاحتياج للتعلم.. للاكتشاف.. حب الاستطلاع والفضول.. احتياج انك تفهم وتعرف وتبدع.. واحتياج ان اللى بتعرفه واللى بتعيشه واللى بتمر بيه يكون ليه (معنى)..
وفيه احتياجات (جمالية) Aethetic Needs.. احتياج انك تشوف وتحس الجمال حواليك.. أو -بوصف أدق- تعرف تطلع وتستخلص وتتذوق الجمال اللى حواليك.. تستمتع بجمال الطبيعة.. بألوان الحياة.. تشوف الجمال فى علاقة أم بأولادها.. أو فى تشققات إيد أب اتحفرت فيها خطوط إخلاصه.. تحس الجمال فى شجرة ثابتة بشموخ أمام الرياح.. أو فى دندنة عمال البناء بنغماتهم الحماسية وهما طالعين على (السقالة).. تلمس الجمال فى عيون الأطفال البريئة الشقية.. وتحسه فى الألم الإنسانى الشريف..
وهنا أحد أماكن الفن.. والموسيقى.. والأدب.. والرسم.. وغيرهم..
اللى بتشبع عنده كل المستويات والطبقات دى من الاحتياجات.. بيوصل لمستوى جديد ومختلف.. اسمه (تحقيق الذات) Self-actualization .. يعنى حضرتك تجتهد.. وتعافر.. وتوصل.. للى كان نفسك توصله.. تفعّل كل قدراتك وامكاناتك وارادتك فى اتجاه ما.. تواجه المصاعب وتتخطاها.. تقبل التحديات وتتجاوزها.. تتحرك وتختلف وتبدع.. وتحقق فى الآخر اللى انت أردته.. تصل إلى ما سعيت إليه.. تبقى أفضل نسخة من نفسك.. تكون كما تحب أن تكون.. انسان ناجح.. شخص مبدع.. مدير محبوب.. أب/أم عامل اللى عليه..
متخيل الإحساس ده عامل ازاى؟
تحس انك مليان من جواك.. تحس ان نفسك أكبر من الدنيا.. وان صدرك أوسع من الحياة كلها.. تحس انك واقف فوق جبل حياتك وباصص على عمرك اللى فات من فوق.. بابتسامة رضا..
وأخيراً.. وبعد هذا الامتلاء النفسي الداخلى.. والوصول لتحقيق نفسك.. توصل لآخر طبقة من الاحتياجات الإنسانية.. وأعلى وأرقى مستوى من مستويات الوجود.. اللى عنده انت بتبدأ تخرج بره نفسك.. وتتجاوز حدود ذاتك.. المستوى ده اسمه فعلاً (تجاوز الذات) Self Transcendance..
تجاوز الذات هنا ممكن يكون فى اتجاه حد تانى غيرك.. آخر.. أو آخرين.. يعنى تفضّل غيرك على نفسك (ده غير انك تبخس نفسك حقها).. تسمو فوق صغائر المواقف والعلاقات (وده غير انك تتنازل عن حقك).. تضحى بنفسك فى سبيل غيرك (وده غير انك تلعب دور الضحية).. هنا مساعدة الآخرين.. وهنا انكار الذات.. وهنا طبعاً التضحية بالنفس من أجل الوطن.
وممكن تجاوز الذات يكون مش بس فى اتجاه حد تانى غيرك.. لأ.. ده يكون فى اتجاه ما هو أرقى.. وأعلى.. وأسمى..
انك تخرج بره حدود نفسك.. فى اتجاه الكون..
ان روحك.. تطفو.. وتعلو.. وتحلق.. فى سماء الوجود..
انك تسلك الطريق الصاعد.. والمتصاعد.. نحو الله..
ان عقلك يتغذى على الجمال..
وقلبك ينبض بالرضا..
وروحك تبقى أوسع من الكون..
هنا الأخلاق فى أسمى درجاتها.. والروحانيات فى معناها وممارستها.. والأديان فى عمقها وحقيقتها..
اللى يوصل لده.. بيكون وصل..
واللى يحس ده.. مش بيحس بحاجة أجمل منه..
***
* طبعاً فيه نقاشات وجدالات حوالين ترتيب الاحتياجات دى.. وهل علشان نوصل لمستوى لازم نشبع المستوى اللى قبله والا لأ.. وهل لازم اشباعهم يكون بنفس ترتيبهم والا مش لازم.. بس كل ده -فى رأيي- نقاط جانبية بجانب الفكرة الأساسية..
***
إيه الجديد فى كل اللى أنا قولته ده؟
ولا أى حاجة..
ده كلام قديم ومعروف واتكتب وبيتكتب عنه كل يوم.. وبكلمات وصياغات وأمثلة أفضل منى ألف مرة..
أمال أنا كاتب الكلام ده ليه؟
أقولك.. بس ماتزعلش منى؟
دى كانت المقدمة.. آه والله.. مقدمة طويلة.. بس لابد منها.. علشان تمهد الطريق للكلام الجاى.. وتفتح طيات وثنيات مخك لفهمه واستيعابه بشكل بسيط وواضح..
شوف يا سيدى..
حبيت قبل كده؟
طيب تسمع عن الجنس..
او.. بلاش ده كله.. مش انت عارف الأكل والشرب؟
كل حاجة من دول.. ممكن تتعمل على مستوى واحد (أو أكتر) من المستويات اللى فوق.. وتُشبع احتياج واحد (أو أكتر) من طبقات الاحتياج اللى شرحتها دى..
وهنا بقى الكلام..
ممكن الحب.. والاحساس بيه.. يقف فقط عند اشباع احتياجك للحب..
لكن فيه حب.. يشبع كمان احتياجك للأمان.. لما تحب حد وجوده طيب.. وهادى.. ومُطمْئِن..
وفيه حب.. يشبع -مع احتياجك للحب والأمان- احتياجك كمان للتقدير.. والثقة بالنفس.. لما يكون حبيبك بيشوف.. ويفهم.. ويهتم.. ويقدر..
وفيه حب.. يشبع مستويات أرقى وأعلى..
ممكن تحب حد يحفز ذهنك.. وينشط عقلك.. ويفتح عليك -من جواك- أبواب الوعى والمعرفة.. الوعي بنفسك وبغيرك وبالعالم.. معرفة واكتشاف نفسك وغيرك والحياة..
ممكن تحب حد.. يفجر ينابيع الجمال من جواك.. يخليك تشوف الجمال فى نفسك.. والجمال فى اللى حواليك.. والجمال فى الدنيا كلها.. حب يلون عينيك.. ويلون روحك.. حب يشبع احتياجاتك الجمالية.. زى ما يشبع احتياجك للحب.. وللأمان.. والتقدير.. والمعرفة..
فيه كمان حب.. يساعدك تحقق ذاتك.. يخليك تشغّل وتفعّل كل امكاناتك.. حب يهون الصعب.. ويسهل العسير.. حب يملاك طاقة وأمل.. حب يخليك تتفرد بعد ما كنت متطبق.. وتنسجم بعد ما كنت نشاز..
هو مش كل حب بيعمل ده كله يا دكتور؟
لا طبعاً..
ممكن حب يعمل كده ده فى الأول.. لكن يقل ويخفت بعد كده.. يقع منه مستوى ورا التانى.. وتختفى طبقة تحت طبقة.. لغاية ما يبقى حب مش بيُشبع حتى احتياجك للحب..
وعلى الجانب الآخر.. فيه حب مش بس بيُشبع كل مستويات وطبقات الاحتياجات اللى فاتت (الأمان- الحب-التقدير-تحقيق الذات-المعرفة-الجمال).. لأ.. ده بيوصل بيك لتجاوز ذاتك.. وتخطى حدود نفسك.. وخروجك بره دايرة حواسك.. حب يخليك تحب الناس.. وتساعدهم.. وتؤثرهم على نفسك.. حب يوصل روحك بالكون.. ويوصل قلبك بخالقه مباشرة..
مش أى حب.. هو حب..
مش كل حب.. بيُشبِع الاحتياج للحب..
ده فيه حب.. بيحرم من الحب..
وحب.. بيتجاوز كل معانى ومستويات الحب..
***
تصور بقى ان الكلام ده كمان يسرى على الجنس..
وهنا الكلام أعقد وأعمق..
يعنى فيه جنس.. لا يتخطى اشباع الاحتياج البيولوجى للجنس.. جنس يخاطب الغريزة.. ولا يتعداها..
وفيه جنس.. تشعر خلاله بالأمان والاطمئنان.. تشعر بعده بالسكينة والهدوء.. جنس يشبع احتياجك للأمان.. مش بس احتياجك البيولوجى للجنس..
فيه جنس.. يشبع احتياجك للحب.. يحسسك انك مقبول ومحبوب ومرغوب.. انت كما انت.. من غير شروط ولا طلبات..
فيه جنس يشبع احتياجك للتقدير والاحترام.. يحسسك انك ليك قيمة.. ليك قدر.. انك تستاهل وتستحق..
وفيه جنس يحرمك من أى تقدير أو احترام.. يحسسك انك بلا قيمة.. ولا قدر.. وانك آخرك كده.. آخرك الجنس..
فيه جنس.. يخليك تعرف.. تعرف نفسك.. تقرب منها.. تكتشفها.. تحبها..
زى ما فيه جنس.. يخليك تبعد عن نفسك.. وترفضها.. وتكرهها..
فيه جنس يشحن طاقتك.. يملاك أمل.. يساعدك فى رحلة الحياة انك تحقق نفسك..
وجنس يستنزفك.. جنس على حساب نفسك.. جنس على حساب علاقتك بنفسك..
فيه جنس.. يفتح عليك أبواب الجمال والحرية والإبداع.. تحس معاه وبعده انك حر.. انك شايف الدنيا بعيون جديدة.. انك تقدر تكتب وترسم وتغنى..
وفيه جنس.. يسجنك فى نفسك.. ويقيدك فى جسمك.. ويكتفك فى الأرض..
فيه جنس.. يخليك ترتقى.. وتسمو..
جنس.. تتجاوز من خلاله ذاتك.. وتتحد وتلتحم مع الكون..
وجنس.. يخليك تنحدر.. وتنحط..
جنس.. يخليك مغترب- حتى عن نفسك..
فيه جنس يصالحك على نفسك.. وعلى الناس.. وعلى الدنيا..
وجنس يخانقك مع نفسك.. ومع الناس.. ومع حياتك..
فيه جنس.. يقف بيك عند أول درجة من الهرم (هرم ماسلو).. ويُشل عن الحركة بعدها..
وجنس.. يكون الهرم كله.. هو درجة واحدة فيه..
***
أبسطلك الأمور أكتر..
وأعقدهالك أكتر..
نفس اللى قولناه على الحب.. وقولناه على الجنس..
نقدر نقوله على الأكل.. والشرب.. والصداقة.. والجواز.. والشغل.. والفن.. والعلم.. والدين.. وكل حاجة..
ممكن علاقتك بالأكل.. تبقى عبارة عن اشباع غريزة الأكل فقط..
وممكن علاقتك بالأكل.. تجمع كل طبقات الاحتياجات الانسانية.. وتحتوى جميع مستوياتها.. وتتجاوزها.. وتتحول لعلاقة أوسع.. مع الشجر.. والمطر.. والكون.. وربنا..
ممكن علاقتك بالدين.. تبقى مجرد انتماءك لمجموعة ناس شبهك فقط..
وممكن تبقى طريق ممهد.. يصل بينك.. وبين خالقك.. مروراً برحلة وتفاصيل حياتك..
ممكن علاقتك بحد.. تشبع كل مستويات احتياجاتك النفسية..
وعلاقتك بحد تانى.. تختزلها.. وتختزلك معاها..
وهكذا.. وهكذا.. وهكذا..
بص بقى على هرم ماسلو تانى..
وفكر فى أى حاجة.. أى حاجة..
أى حاجة بتعملها.. أى حاجة مصدقها..
واسأل نفسك..
هو ده بيُشبع عندى إيه؟ أوله فين وآخره فين؟ بيملا جوايا أى مستوى من احتياجاتى؟ مستوى واحد.. والا اتنين.. والا أكتر.. والا كلهم.. والا مافيش؟ طيب بيملا احتياجاتى بشكل مؤقت والا على طول؟ امتلاء حقيقي والا امتلاء زائف؟
بيخلينى أفكر وأفهم واتعلم واستوعب؟
بيفتح عينى على الجمال؟
طيب بيوصلنى بنفسي؟
بيوصلنى لنفسي؟
بيوصلنى بالكون؟
بيوصلنى بربنا؟
مش لازم تجاوب دلوقت..
أمال أعمل إيه يا دكتور؟ دانا دماغى لفت..
عارف تعمل إيه؟
تغمض.. عينك.. وتاخد نفسك بعمق..
وتحس.. الكلام ده نفسه.. وصلك لغاية فين..** بالمناسبة.. ابراهام ماسلو هو صديق ورفيق (ستانيسلاف جروف).. اللى بدأ من حبث انتهى ماسلو.. وكمل فى مستوى (تجاوز الذات) ده بالدراسة والتشريح والتجربة لغاية ما عمل علم كامل اسمه (علم نفس عبر-الشخصى) Transpersonal Psychology.. راجع كتاب (لأ.. بطعم الفلامنكو).
أولها وأهمها للبقاء والحياة الاحتياجات الفسيولوجية Physiological Needs.. زى انك محتاج تاكل وتشرب وتنام.. الاحتياج للهواء.. للدفا.. للجنس..
تليها ولا تقل عنها أهمية الاحتياجات الخاصة بالأمان Safety Needs.. أمان وسلامة الصحة.. الأمان المادى.. الأمان النفسي.. والأمان الشخصى على نفسك وممتلكاتك طبعاً..
بعدها.. انت محتاج تحب وتتحب.. محتاج حد تثق فيه ويثق فيك.. محتاج تتشاف وتتقبل وتُحترم.. تنتمى لحد أو لمجموعة من الناس.. محتاج تحس بدفا وجودك فى عائلة.. محتاج علاقات عاطفية ورومانسية.. محتاج أصدقاء.. دى طبقة الاحتياجات الاجتماعية.. أو الاحتياج (للحب) و(للانتماء) Love and Belonging Needs..
عدم اشباع الاحتياجات دى بيعمل مشاكل نفسية كتيرة جداً..
يجي الدور بعد كده على الاحتياج (للتقدير).. انك تحس انك متقدر من اللى حواليك.. وانك كمان تبقى مقدر نفسك وحاسس بيها ومديها حقها.. يوصلك ان اللى معاك واللى حواليك حاسين بقيمتك وقدرك ومكانتك.. فى الشغل.. فى البيت.. فى الشارع.. فى أى سياق انت موجود فيه.. وانت كمان تحس بقدراتك وامكاناتك ومناطق قوتك.. تحس باستقلاليتك وتفردك.. تحس انك كفاية.. وده اللى يوصّلك بعد شوية لما يُعرف باسم (الثقة بالنفس).. أو (أنا أستاهل) Esteem Needs.
بعد ما تُشبع كل الاحتياجات دى.. يجي الدور على مجموعة أرقى وأعلى من الاحتياجات..
فيه احتياجات (معرفية) Cognitive Needs.. الاحتياج للتعلم.. للاكتشاف.. حب الاستطلاع والفضول.. احتياج انك تفهم وتعرف وتبدع.. واحتياج ان اللى بتعرفه واللى بتعيشه واللى بتمر بيه يكون ليه (معنى)..
وفيه احتياجات (جمالية) Aethetic Needs.. احتياج انك تشوف وتحس الجمال حواليك.. أو -بوصف أدق- تعرف تطلع وتستخلص وتتذوق الجمال اللى حواليك.. تستمتع بجمال الطبيعة.. بألوان الحياة.. تشوف الجمال فى علاقة أم بأولادها.. أو فى تشققات إيد أب اتحفرت فيها خطوط إخلاصه.. تحس الجمال فى شجرة ثابتة بشموخ أمام الرياح.. أو فى دندنة عمال البناء بنغماتهم الحماسية وهما طالعين على (السقالة).. تلمس الجمال فى عيون الأطفال البريئة الشقية.. وتحسه فى الألم الإنسانى الشريف..
وهنا أحد أماكن الفن.. والموسيقى.. والأدب.. والرسم.. وغيرهم..
اللى بتشبع عنده كل المستويات والطبقات دى من الاحتياجات.. بيوصل لمستوى جديد ومختلف.. اسمه (تحقيق الذات) Self-actualization .. يعنى حضرتك تجتهد.. وتعافر.. وتوصل.. للى كان نفسك توصله.. تفعّل كل قدراتك وامكاناتك وارادتك فى اتجاه ما.. تواجه المصاعب وتتخطاها.. تقبل التحديات وتتجاوزها.. تتحرك وتختلف وتبدع.. وتحقق فى الآخر اللى انت أردته.. تصل إلى ما سعيت إليه.. تبقى أفضل نسخة من نفسك.. تكون كما تحب أن تكون.. انسان ناجح.. شخص مبدع.. مدير محبوب.. أب/أم عامل اللى عليه..
متخيل الإحساس ده عامل ازاى؟
تحس انك مليان من جواك.. تحس ان نفسك أكبر من الدنيا.. وان صدرك أوسع من الحياة كلها.. تحس انك واقف فوق جبل حياتك وباصص على عمرك اللى فات من فوق.. بابتسامة رضا..
وأخيراً.. وبعد هذا الامتلاء النفسي الداخلى.. والوصول لتحقيق نفسك.. توصل لآخر طبقة من الاحتياجات الإنسانية.. وأعلى وأرقى مستوى من مستويات الوجود.. اللى عنده انت بتبدأ تخرج بره نفسك.. وتتجاوز حدود ذاتك.. المستوى ده اسمه فعلاً (تجاوز الذات) Self Transcendance..
تجاوز الذات هنا ممكن يكون فى اتجاه حد تانى غيرك.. آخر.. أو آخرين.. يعنى تفضّل غيرك على نفسك (ده غير انك تبخس نفسك حقها).. تسمو فوق صغائر المواقف والعلاقات (وده غير انك تتنازل عن حقك).. تضحى بنفسك فى سبيل غيرك (وده غير انك تلعب دور الضحية).. هنا مساعدة الآخرين.. وهنا انكار الذات.. وهنا طبعاً التضحية بالنفس من أجل الوطن.
وممكن تجاوز الذات يكون مش بس فى اتجاه حد تانى غيرك.. لأ.. ده يكون فى اتجاه ما هو أرقى.. وأعلى.. وأسمى..
انك تخرج بره حدود نفسك.. فى اتجاه الكون..
ان روحك.. تطفو.. وتعلو.. وتحلق.. فى سماء الوجود..
انك تسلك الطريق الصاعد.. والمتصاعد.. نحو الله..
ان عقلك يتغذى على الجمال..
وقلبك ينبض بالرضا..
وروحك تبقى أوسع من الكون..
هنا الأخلاق فى أسمى درجاتها.. والروحانيات فى معناها وممارستها.. والأديان فى عمقها وحقيقتها..
اللى يوصل لده.. بيكون وصل..
واللى يحس ده.. مش بيحس بحاجة أجمل منه..
***
* طبعاً فيه نقاشات وجدالات حوالين ترتيب الاحتياجات دى.. وهل علشان نوصل لمستوى لازم نشبع المستوى اللى قبله والا لأ.. وهل لازم اشباعهم يكون بنفس ترتيبهم والا مش لازم.. بس كل ده -فى رأيي- نقاط جانبية بجانب الفكرة الأساسية..
***
إيه الجديد فى كل اللى أنا قولته ده؟
ولا أى حاجة..
ده كلام قديم ومعروف واتكتب وبيتكتب عنه كل يوم.. وبكلمات وصياغات وأمثلة أفضل منى ألف مرة..
أمال أنا كاتب الكلام ده ليه؟
أقولك.. بس ماتزعلش منى؟
دى كانت المقدمة.. آه والله.. مقدمة طويلة.. بس لابد منها.. علشان تمهد الطريق للكلام الجاى.. وتفتح طيات وثنيات مخك لفهمه واستيعابه بشكل بسيط وواضح..
شوف يا سيدى..
حبيت قبل كده؟
طيب تسمع عن الجنس..
او.. بلاش ده كله.. مش انت عارف الأكل والشرب؟
كل حاجة من دول.. ممكن تتعمل على مستوى واحد (أو أكتر) من المستويات اللى فوق.. وتُشبع احتياج واحد (أو أكتر) من طبقات الاحتياج اللى شرحتها دى..
وهنا بقى الكلام..
ممكن الحب.. والاحساس بيه.. يقف فقط عند اشباع احتياجك للحب..
لكن فيه حب.. يشبع كمان احتياجك للأمان.. لما تحب حد وجوده طيب.. وهادى.. ومُطمْئِن..
وفيه حب.. يشبع -مع احتياجك للحب والأمان- احتياجك كمان للتقدير.. والثقة بالنفس.. لما يكون حبيبك بيشوف.. ويفهم.. ويهتم.. ويقدر..
وفيه حب.. يشبع مستويات أرقى وأعلى..
ممكن تحب حد يحفز ذهنك.. وينشط عقلك.. ويفتح عليك -من جواك- أبواب الوعى والمعرفة.. الوعي بنفسك وبغيرك وبالعالم.. معرفة واكتشاف نفسك وغيرك والحياة..
ممكن تحب حد.. يفجر ينابيع الجمال من جواك.. يخليك تشوف الجمال فى نفسك.. والجمال فى اللى حواليك.. والجمال فى الدنيا كلها.. حب يلون عينيك.. ويلون روحك.. حب يشبع احتياجاتك الجمالية.. زى ما يشبع احتياجك للحب.. وللأمان.. والتقدير.. والمعرفة..
فيه كمان حب.. يساعدك تحقق ذاتك.. يخليك تشغّل وتفعّل كل امكاناتك.. حب يهون الصعب.. ويسهل العسير.. حب يملاك طاقة وأمل.. حب يخليك تتفرد بعد ما كنت متطبق.. وتنسجم بعد ما كنت نشاز..
هو مش كل حب بيعمل ده كله يا دكتور؟
لا طبعاً..
ممكن حب يعمل كده ده فى الأول.. لكن يقل ويخفت بعد كده.. يقع منه مستوى ورا التانى.. وتختفى طبقة تحت طبقة.. لغاية ما يبقى حب مش بيُشبع حتى احتياجك للحب..
وعلى الجانب الآخر.. فيه حب مش بس بيُشبع كل مستويات وطبقات الاحتياجات اللى فاتت (الأمان- الحب-التقدير-تحقيق الذات-المعرفة-الجمال).. لأ.. ده بيوصل بيك لتجاوز ذاتك.. وتخطى حدود نفسك.. وخروجك بره دايرة حواسك.. حب يخليك تحب الناس.. وتساعدهم.. وتؤثرهم على نفسك.. حب يوصل روحك بالكون.. ويوصل قلبك بخالقه مباشرة..
مش أى حب.. هو حب..
مش كل حب.. بيُشبِع الاحتياج للحب..
ده فيه حب.. بيحرم من الحب..
وحب.. بيتجاوز كل معانى ومستويات الحب..
***
تصور بقى ان الكلام ده كمان يسرى على الجنس..
وهنا الكلام أعقد وأعمق..
يعنى فيه جنس.. لا يتخطى اشباع الاحتياج البيولوجى للجنس.. جنس يخاطب الغريزة.. ولا يتعداها..
وفيه جنس.. تشعر خلاله بالأمان والاطمئنان.. تشعر بعده بالسكينة والهدوء.. جنس يشبع احتياجك للأمان.. مش بس احتياجك البيولوجى للجنس..
فيه جنس.. يشبع احتياجك للحب.. يحسسك انك مقبول ومحبوب ومرغوب.. انت كما انت.. من غير شروط ولا طلبات..
فيه جنس يشبع احتياجك للتقدير والاحترام.. يحسسك انك ليك قيمة.. ليك قدر.. انك تستاهل وتستحق..
وفيه جنس يحرمك من أى تقدير أو احترام.. يحسسك انك بلا قيمة.. ولا قدر.. وانك آخرك كده.. آخرك الجنس..
فيه جنس.. يخليك تعرف.. تعرف نفسك.. تقرب منها.. تكتشفها.. تحبها..
زى ما فيه جنس.. يخليك تبعد عن نفسك.. وترفضها.. وتكرهها..
فيه جنس يشحن طاقتك.. يملاك أمل.. يساعدك فى رحلة الحياة انك تحقق نفسك..
وجنس يستنزفك.. جنس على حساب نفسك.. جنس على حساب علاقتك بنفسك..
فيه جنس.. يفتح عليك أبواب الجمال والحرية والإبداع.. تحس معاه وبعده انك حر.. انك شايف الدنيا بعيون جديدة.. انك تقدر تكتب وترسم وتغنى..
وفيه جنس.. يسجنك فى نفسك.. ويقيدك فى جسمك.. ويكتفك فى الأرض..
فيه جنس.. يخليك ترتقى.. وتسمو..
جنس.. تتجاوز من خلاله ذاتك.. وتتحد وتلتحم مع الكون..
وجنس.. يخليك تنحدر.. وتنحط..
جنس.. يخليك مغترب- حتى عن نفسك..
فيه جنس يصالحك على نفسك.. وعلى الناس.. وعلى الدنيا..
وجنس يخانقك مع نفسك.. ومع الناس.. ومع حياتك..
فيه جنس.. يقف بيك عند أول درجة من الهرم (هرم ماسلو).. ويُشل عن الحركة بعدها..
وجنس.. يكون الهرم كله.. هو درجة واحدة فيه..
***
أبسطلك الأمور أكتر..
وأعقدهالك أكتر..
نفس اللى قولناه على الحب.. وقولناه على الجنس..
نقدر نقوله على الأكل.. والشرب.. والصداقة.. والجواز.. والشغل.. والفن.. والعلم.. والدين.. وكل حاجة..
ممكن علاقتك بالأكل.. تبقى عبارة عن اشباع غريزة الأكل فقط..
وممكن علاقتك بالأكل.. تجمع كل طبقات الاحتياجات الانسانية.. وتحتوى جميع مستوياتها.. وتتجاوزها.. وتتحول لعلاقة أوسع.. مع الشجر.. والمطر.. والكون.. وربنا..
ممكن علاقتك بالدين.. تبقى مجرد انتماءك لمجموعة ناس شبهك فقط..
وممكن تبقى طريق ممهد.. يصل بينك.. وبين خالقك.. مروراً برحلة وتفاصيل حياتك..
ممكن علاقتك بحد.. تشبع كل مستويات احتياجاتك النفسية..
وعلاقتك بحد تانى.. تختزلها.. وتختزلك معاها..
وهكذا.. وهكذا.. وهكذا..
بص بقى على هرم ماسلو تانى..
وفكر فى أى حاجة.. أى حاجة..
أى حاجة بتعملها.. أى حاجة مصدقها..
واسأل نفسك..
هو ده بيُشبع عندى إيه؟ أوله فين وآخره فين؟ بيملا جوايا أى مستوى من احتياجاتى؟ مستوى واحد.. والا اتنين.. والا أكتر.. والا كلهم.. والا مافيش؟ طيب بيملا احتياجاتى بشكل مؤقت والا على طول؟ امتلاء حقيقي والا امتلاء زائف؟
بيخلينى أفكر وأفهم واتعلم واستوعب؟
بيفتح عينى على الجمال؟
طيب بيوصلنى بنفسي؟
بيوصلنى لنفسي؟
بيوصلنى بالكون؟
بيوصلنى بربنا؟
مش لازم تجاوب دلوقت..
أمال أعمل إيه يا دكتور؟ دانا دماغى لفت..
عارف تعمل إيه؟
تغمض.. عينك.. وتاخد نفسك بعمق..
وتحس.. الكلام ده نفسه.. وصلك لغاية فين..** بالمناسبة.. ابراهام ماسلو هو صديق ورفيق (ستانيسلاف جروف).. اللى بدأ من حبث انتهى ماسلو.. وكمل فى مستوى (تجاوز الذات) ده بالدراسة والتشريح والتجربة لغاية ما عمل علم كامل اسمه (علم نفس عبر-الشخصى) Transpersonal Psychology.. راجع كتاب (لأ.. بطعم الفلامنكو).
د. محمــد طــه