اللى بيعرضه مسلسل (تحت الوصاية) للفنانة المبدعة منى زكى، ليه أكتر من مستوى..
المستوى الواضح الظاهر.. هو مشكلة الوصاية على الأبناء بعد وفاة الأب.. وازاى ان أولى الناس برعايتهم والقيام على أمرهم والاهتمام بما يخصهم مالهاش الحق فى التصرف فى شئونهم بدون الرجوع إلى، أواستئذان، وأحياناً المذلة، للجد، وللعم، والأقارب، وللمجلس الحسبى، وللموظفين، و…. و…..
وعلى قد ما ده مؤلم ومهين.. لكن فيه مستويات أخرى.. مؤلمة أكثر.. وموجعة أشد.. وكاشفة جداً عن موقف وموقع المرأة فى منظومتنا المجتمعية كلها..
أولهم..
اللى يركز وياخد باله.. هايلاقى ان اللى تحت الوصاية فى حالة (حنان) مش الأبناء فقط..
اللى تحت الوصاية.. هى نفسها شخصياً.. هى ماتعرفش تتصرف أى تصرف غير لما تضطر تبرره لحد ما.. ماعرفتش تشتغل غير بترتيبات وحكايات ومشاكل.. ماقدرتش تسكن غير بهوية غير حقيقية قدام صاحب البيت خوفا من سوء المعاملة أو الطمع أو الاستغلال.. وطبعاً ماتقدرش تتجوز تانى ببساطة كده زى الناس..
وكمان..
هى علشان تقدر تبدأ مشروعها وتكمل فيه وتواجه مشاكله وصعوباته.. كان لازم يكون موجود (عم ربيع)..
وعلشان تشغل المركب ويبدأ الرزق يجي.. كان لازم تستعين بتلات رجال/ذكور منهم واحد مدمن.. وواحد متحرش.. وواحد بيشاور نفسه..
وعلشان تحس انها واقفة على رجليها ومتطمنة ومسنودة فى مواقف كتير.. كان لازم يكون موجود (أستاذ زكريا)..
* المرأة وحدها فى هذه المنظومة.. وفى معظم الأحوال.. محدودة الحركة.. قليلة الحيلة..
أيضاً..
وجود ابن (ذكر) فى حياة (حنان)..
ابن اضطر يكبر قبل الأوان.. ويلعب فى كثير من الأحيان دور غير دوره.. ويحرم نفسه من أبسط حقوقه..
وجود ابن ذكر بيحوش كتير عن الأم فى هذه المنظومة.. وبيحميها فى أوقات كتير من مزيد من الظلم وأكل الحقوق..
تصوروا الحال كان هايبقى ازاى لو كانت (حنان) ومن مثلها كان عندها (ابنة) أو (بنات) فقط..
* أم بدون ابن ذكر.. أخت بدون أخ ذكر.. فى هذه المنظومة المجتمعية.. بيعرضها لمصاعب وتحديات تستنزفها وتهلك طاقتها وتذيب وجودها ذوباناً..
فيه مستوى رابع..
إيه رأيكم فى علاقة صالح (عم الأولاد) بخطيبته؟
شوفتوا بيعاملها بقسوة وتحكم وسيطرة وقهر وإهانة ازاى؟ وهى بتستجيب لده وتوافق عليه؟
شوفتوه وهو بيتهجم عليها ويقولها هاتجوزك غصب عن أمك؟
هو ه مش شكل من أشكال فرض الوصاية الذكورية على الأنثى؟
طيب شوفتوها هى ازاى بتدافع عنه قصاد والدتها وتقولها: أنا مش عايزة من الدنيا كلها غيره؟
إيه رأيكم؟ بيفكركم بحاجة فى كتاب (ذكر شرقي منقرض)؟
تفتكروا واحدة زى دى هاتعامل أولادها ازاى؟ هاتربيهم على إيه؟ طيب هاتعمل فى بناتها إيه؟
* امرأة وسط مجتمع مغرق فى الوصاية الذكورية.. اما تحارب التنين بمفردها.. أو تحارب نفسها بنفسها..
فيه مستوى آخر..
شوفتوا تعليقات كتير من رواد السوشيال ميديا على القضية اللى بيعرضها المسلسل؟ قريتوا اعتراضهم وتحفظاتهم على تغيير قانون الوصاية كانت إيه؟
-“ماهى ممكن تتجوز تانى”،
-“طب لو اتجوزت ايه اللى يضمن انها تصرف فلوس اولادها على جوزها”،
-“هى خدت حقها الشرعى فى تركة جوزها، حق الولاد مين ياخد باله منه فى حالة رغبتها فى الجواز”..
بس يا سيدى..
يعنى المرأة/الأم (غير مؤتمنة) على أولادها لأنها ممكن لو اتجوزت تانى (تاكل حق أولادها).. ببساطة كده.. انما باقى العيلة لا.. الجد والعم لا.. المجلس الحسبى لا..
طب ما الزوج نفسه لو زوجته توفت (ومن غير ما تتوفى) ممكن يضيع فلوس أولاده وحقوقهم ومايكونش أمين عليهم!
دى حاجة يستوى فيها الطرفين ومافيش جنس فيهم تركيبة ضميره مختلفة عن التانى.
فيه مستوى قبل أخير..
* هل فيه امرأة وسط هذه المنظومة مش تحت الوصاية؟
من أول وصاية الأخ الأصغر.. لغاية وصاية بواب العمارة.. وأى راجل معدى فى الشارع..
كانت بقى ابنة.. كانت أخت.. كانت زوجة.. كانت أم.. كانت ما كانت!
هل بيتم النظر والتعامل مع المرأة فى مجتمعنا على انها انسان كامل الأهلية؟
حضرتك تعرف ان المرأة حتى لو كانت وزيرة، فهى ماتنفعش تبقى وصية على أولادها القصر فى حالة وفاة زوجها؟
حضرتك تعرفى ان شهادتك نصف شهادة أى رجل.. حتى لو كنتى قاضية وكان هو لا يعرف القراءة والكتابة؟
(ودى مش دعوة للاصطدام بالشرع.. لكن لإعادة قراءته فى ضوء متغيرات ومتطلبات العصر اللى احنا فيه)..
وده هايودينا للمستوى السابع والأخير.. والأكثر عمقاً وألماً.. واللى باعتبره الجانب المضحك المبكى من الأحداث.. وكأنه الthe flip side of the coin..
وهو ان اللى حصل فى المسلسل.. ان (حنان) علشان تخرج من تحت الوصاية الذكورية.. اضطرت تضع نفسها تحت وصاية ذكورية أخرى (أهون وأخف وطأة).. وده -وان كان مفهوم ومبرر كمرحلة انتقالية مهمة- لكنه يوضح مدى صعوبة أن تقف امرأة على قدميها، صالبة طولها وفاردة ضهرها، وسط كل هذا الجنون، وتقول: أنا انسان كامل غير منقوص.. زيي زي أى انسان غيرى..
ودى برضه مش دعوة للاستغناء عن الجنس الآخر وانكار وجوده.. بالعكس.. هى دعوة اننا نكون واقفين على أرض واحدة.. مش حد مدى نفسه الحق يكون فوق.. ومتصور ان التانى تحت..
سمعت ان فيه تحركات برلمانية لمراجعة قانون الوصاية (اللى تم وضعه من 71 عاماً).. وده شئ ايجابى وعظيم..
* لكننا محتاجين وبشدة كثير وكثير من التوعية والسعى انه ربنا يكرمنا فى يوم من الأيام وعلاقتنا بالمرأة.. أى امرأة.. تتحول من علاقة بين حد وصى (مهما كانت العناوين والمسميات الشيك).. وحد تحت الوصاية (مهما كانت برضه العناوين والمسميات الشيك).. تتحول إلى علاقة بين اتنين بنى آدميين زى بعض.. اتنين كاملى الأهلية زى بيعض.. اتنين ليهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات زى بعض.. بس.. صعبة دى؟!
شكراً للعبقرية (منى زكى) اللى عملت أروع أدوار حياتها.(حتى الآن).. وتقمصته وتفاعلت معاه ودابت فيه حتى النخاع.. من أول نبرة صوتها.. لغاية طريقة مشيتها.. واحساسها.. وملامح وجهها.. ايه ده!
شكراً للممثلين العظماء.. فى كل الأدوار.. منتهى البساطة والتلقائية والصدق.. فى مباراة فنية من أصعب ما يمكن..
شكراً للمؤلفين الشجعان شيرين وخالد دياب.. اللى راحوا لمنطقة مختلفة (كعادتهم).. وقربوا بشجاعة وذكاء وبساطة وعمق فى نفس الوقت، من جرح آخر فى جسد المجتمع..
شكراً للاخراج المذهل.. والديكور اللى من واقعيته ماتعرفش هو ديكور والا حقيقة..
والإضاءة.. والصوت.. وكل التفاصيل..
تيجى قبل ما نخلص.. نجمع الجمل اللى قدامها نقط ونقراها تانى بهدوء:
* المرأة وحدها فى هذه المنظومة.. وفى معظم الأحوال.. محدودة الحركة.. قليلة الحيلة..
* أم بدون ابن ذكر.. أخت بدون أخ ذكر.. فى هذه المنظومة المجتمعية.. بيعرضها لمصاعب وتحديات تستنزفها وتهلك طاقتها وتذيب وجودها ذوباناً..
* امرأة وسط مجتمع مغرق فى الوصاية الذكورية.. اما تحارب التنين بمفردها.. أو تحارب نفسها بنفسها..
* هل فيه امرأة وسط هذه المنظومة مش تحت الوصاية؟
* أن تقف امرأة على قدميها، صالبة طولها وفاردة ضهرها، وسط كل هذا الجنون، وتقول: أنا انسان كامل غير منقوص.. زيي زي أى انسان غيرى.
* محتاجين وبشدة كثير وكثير من التوعية والسعى انه ربنا يكرمنا فى يوم من الأيام وعلاقتنا بالمرأة.. أى امرأة.. تتحول من علاقة بين حد وصى (مهما كانت العناوين والمسميات الشيك).. وحد تحت الوصاية (مهما كانت برضه العناوين والمسميات الشيك).. تتحول إلى علاقة بين اتنين بنى كاملى الأهلية زى بعض.
بس كده..

د. محمـد طـه