فاكرين الشيخ محارب؟
اللى كان فى مسلسل جزيرة غمام.. خاصة فى حلقاته الأولى..
شوفتوا الشيخ محارب حواليكم؟ عديتوا فيه كام شيخ محارب وسطيكم- وبدرجات متفاوتة؟ عرفتوا تركيبته وصفاته وسلوكه؟
الشيخ محارب.. الدين بالنسبة له حرب.. حرب هو شايف نفسه فيها دايماً منتصر.. منتشى.. مكسر الدنيا.. مهما كانت هزائمه على الأرض وفى الواقع.. حرب سابقة وحرب حالية وحرب منتظرة قادمة..
الشيخ محارب-من اسمه- مابيعرفش يفكر بره إطار الحرب.. دماغه فيها جيوش وجنود ومعارك وخطط.. دول بيحاربوا الدين.. ودول عاوزين يهدموا الثوابت.. دول بيشككوا الناس فى عقيدتهم.. ودول بيشجعوا الشباب على الإلحاد..
بالنسبة للشيخ محارب.. الدنيا نفسها حرب.. الحياة حرب.. العيشة واللى عايشينها حرب.. بيكره الدنيا.. بيحتقر الحياة.. دايماً ناقم وساخط عليها.. دايماَ شاتم ولاعن فيها..
الشيخ محارب.. الآخر بالنسبة له عدو.. المختلف عنه فى الفكر عدو.. المختلف عنه فى العقيدة عدو.. المختلف عنه فى النظرة للحياة عدو.. الاختلاف بيهدد تركيبته.. بيهدد تحجره العقلى وجموده النفسي.. الاختلاف عنده خطر..
الشيخ محارب مصاب ببارانويا مزمنة.. مصدق طول الوقت إنه عليه مؤامرات وخدع ومكائد.. العلمانيين.. النسويين.. الغرب الكافر.. الفن الداعر.. العلم السافر..
فى علم السيكوباثولوجى (الإمراض النفسي)، وجود مؤامرة عليا معناها إنى مهم.. إن وجودى ليه قيمة كبيرة.. إنى فظيع ومريع وشنيع..
الشيخ محارب حرفياَ بيتغذى على الصراع.. بيشتهى المشاحنة.. لو مالاقاش صراع يدوّر عليه.. يصنعه.. يخلقه خلقا.. ومن شدة انهزامه وانكساره الداخلى.. بيتكلم دايماَ بصيغة: لقد انتصرتم عليهم.. انهم منكم محبطون.. انتم تزلزلون عروشهم..
الشيخ محارب واخد موقف من الحياة اسمه الموقف الارتيابى الفصامى Paranoid Schizoid Position.. بيقسم فيه الحياة والناس والخبرات والمواقف نصين.. ده معايا وده عليا.. ده أبيض وده أسود.. ده حلو وزى الفل.. وده وحش وكخه وزى الزفت.. وفى نفس الوقت، هو عايش فى حالة ارتياب وتوجس.. احساس دائم بالخوف والتهديد والتحفز.. وهو مش عارف ان ده وراه يقين داخلى عميق بالضآلة والدونية والفشل.. لدرجة انه لا يملك للدفاع عن نفسه غير انه يحس بالعكس تماماً.. ويمارس العكس كلياً..
علشان كده الشيخ محارب لا يكف عن تهديد الآخرين وتخويفهم وارهابهم (كوسيلة للتعامل مع خوفه ورعبه الداخلى).. ولا يملك طريقة للتعامل مع من يهددوا اتزانه النفسي (الزائف) غير شتيمتهم.. السخرية منهم.. التنمر عليهم.. لا مناقشتهم بشكل جاد.. ولا الحوار معهم بطريقة موضوعية.. أنا صح.. وانت تتصرف..
أول ما يلجأ ليه الشيخ محارب أمام من ينقده أو يشكك فيه أو لا يصدقه أو يطيعه.. هو إهانته بشكل شخصى.. والتقليل من آدميته.. ونعته بصفات بغيضة وكريهة وغير انسانية أحياناً.. والحاج رجب (أكتر انسان عنييييد).. وقد يتصاعد الأمر طبعاً ليصل للقتل.. الذبح.. الحرق..
الشيخ محارب عنده شعور غريب بالاستحقاق.. تضخم غير منطقى فى الذات.. تصور خارج أى سياق إنه محور الكون.. وان الكون لازم يلف حواليه هو.. هو وبس.. هو بس اللى صح.. أفكاره بس اللى صح.. رؤيته بس اللى صح.. وغيره غلط.. وجاهل.. وضال.. وأقل منه.. أقل منه فى الانسانية.. ماينفعش أدعيله بالرحمة.. أقل منه فى الحقوق.. ماينفعش أقوله كل سنة وانت طيب.. أقل منه فى كل شئ..
تعالى واستنطاع ونرجسية غير مسبوقة وغير معروفة ومالهاش أى مثيل.. للدفاع ضد احساس عميق جداً بانعدام القيمة..
الشيخ محارب -من فرط نرجسيته- مدى نفسه الحق إنه يفرض رؤيته وأفكاره ومعتقداته على كل خلق الله.. بالذوق المؤقت مرة.. بالعافية ممكن.. باللين الزائف أحياناً.. بالشدة ممكن.. بالقتل والإرهاب أحياناً.. بأى طريقة..
يعتدى/تعتدى على فتاة فى المترو.. يضرب بنت فى الصيدلية.. ياخد سيجارة الحاج رجب من إيده.. يقتل كاهن ماشى على كورنيش اسكندرية.. يهاجم جنودنا الأبطال فى سيناء.. وغير ده كتير..
الشيخ محارب مهووس بالسيطرة.. مولع بالكونترول.. يعمل أى حاجة علشان يحس بوجوده.. ينتهز أى فرصة علشان يثبت حضوره ويفرض سطوته.. يتجنن لو حس ان البساط بيتسحب من تحت رجليه.. علشان كده هو بيدلى بدلوه فى أى شئ وكل شئ.. رحمة ربنا تجوز على مين.. اللى يموت هايروح الجنة والا النار.. اللى بياكل كشرى بياكل ليه وفين وامتى وازاى.. اللى بيلبس بيلبس إيه وبإذن مين..
هو كمان مهووس بشكله.. ببناينه الجسدى.. بصوره.. بحجمه وموقعه فى صوره.. لازم يكون أعلى وأضخم وأظهر من كل مكونات الصورة عداه..
الشيخ محارب بيخاف يفكر.. ولو فكر.. يخاف يفكر بره الصندوق.. لا يجرؤ على التأمل الحقيقي المجرد.. يترعب من إعادة النظر بشكل حر فى أي شئ.. لأن ده ممكن يفتح عليه من جواه أبواب مايعرفش يقفلها.. المنطق بالنسبة له عبث.. والفلسفة جنون.. والتساؤل الحر.. قد يؤدى إلى الكفر..
الشيخ محارب.. عنده مشكلة كبيرة مع الفن.. ومع الجمال.. ومع العلم.. الفن يحرر القلوب.. وهو قلبه مكبل بالقسوة والتجهم.. الجمال يحرر النفوس والأرواح .. وهو نفسه مشوهة.. وروحه مطفية.. العلم يحرر العقول.. والعقل بالنسبة له زى (الحمار).. وتشغيل الدماغ بالنسبة له مشكلة كبيرة.. فلان ده مشكلته (دماغه)..
وعلى فكرة.. هو بينه وبين علم النفس بالذات ما صنع الحداد.. لأنه عارف من جواه وفى عقله الباطن إنه مليان كلاكيع وعقد نفسية مالهاش أول من آخر.. وانه لو نجح فى إخفاءها عن كل العالم.. فعلم النفس والطب النفسي هايعريه ويكشفه فى دقايق.. علم النفس بالنسبة له دجل.. الطب النفسي شعوذة.. الاكتئاب ليس أكثر من ضعف ايمان..
الشيخ محارب عنده بعض الأفعال الوسواسية القهرية.. هو متصور انه عليه هداية الآخرين لنفس طريقه.. واصلاحهم للى هو شايفه صح.. وتعديل سلوكهم لما يناسب ما يؤمن بيه.. وبيعمل ده بشكل قهرى ومُلح ومتكرر.. لأنه مصدق إن ده أحد أدواره فى الحياة.. ولو ماقامش بيه يبقى مقصر ومذنب.. ينصح الناس حتى لو ماطلبوش النصيحة.. يضغط عليهم حتى بدون ارادتهم.. ولو استدعى الأمر يمد إيده عليهم، لما يراه فى مصلحتهم..
الشيخ محارب مش بيعرف يدارى هوسه الجنسي، ومش بيقدر يغطى على نهمه وشبقه المختبئ خلف ملامحه السمجة.. وجود أى أنثى حواليه مالهوش غير معنى جنسي.. لبسها يحرك غريزته.. ريحتها تستفز ذكورته.. صوتها يداعب خياله المريض.. وكل دى عنده أسباب للتحرش (لكنها ليست مبررات له !!!).
معندهوش مانع ينام مع مراته غصب عنها.. أو يتجوز واحدة ومايترحّمش عليها بعد ما تموت.. ماعندهوش مشكله ينكح طفلة صغيرة طالما جسمها مربرب وأبوها موافق.. أو يغتصب أسيرة سباها فى الحرب.. أسيرة فى الحرب مين؟ يغتصب مراته شخصياً..
وعلشان مايحسش بالضعف أمام أى أنثى.. يكسرها.. ويقهرها.. ويختتنها.. ويحرمها هى نفسها من اللى عاوز يستمتع هو بيه..
الشيخ محارب يعرف إزاى يملكك.. ويسيطر على عقلك.. ويخطف وعيك.. وأدواته فى ده لا تختلف عن أدوات أى شخص نرجسي ينشئ علاقة سامة مع غيره: يخوفك -من طفولتك- بعذاب القبر.. يهددك -طول الوقت- بالشواء فى جهنم.. يطمعك.. يحسسك بالذنب.. وعاوز منك طاعة عمياء.. فالشيخ محارب كزوج ليه على زوجته (حق) الطاعة، حتى لو كان مريض باضطراب شديد فى الشخصية.. والشيخ محارب كأب ليه على أولاده (حق) الطاعة حتى لو كان سادى أو سيكوباثى.. ولو ماسمعتش الكلام تبقى (ناشز).. أو (عاق).. فيخوفك.. ويهددك.. ويحسسك بالذنب .. ويدخلك فى نفس الدائرة المفرغة..
الشيخ محارب يبيح لنفسه وبدون أى غضاضة.. انه يضرب مراته (علشان يجرح كبرياءها ويقوّمها ويحافظ على الأسرة).. ويضرب ولاده (علشان يصلّوا).. ولو كلّمته يقولك: ده ضرب خفيف- ده ضرب الحبيب- ده دورى كرب للأسرة..
الشيخ محارب متصور ان ربنا اختاره وميزه عن باقى سكان الكرة الأرضية، لمجرد ان صدفة جينية تسببت فى ولادته من هذين الأبوين.. فى هذا المكان من الكرة الأرضية.. معندهوش استعداد يسأل نفسه سؤال واحد: ليه؟
الشيخ محارب بيعبد النص.. ولا يعبد الله..
مشغول بغيره.. عن نفسه..
وبيعتنق نفسه.. ولا يعتنق دينه..
لا يقبل الاجتهاد.. لا يراعى تطور واختلاف الزمان والمكان.. هو على عداء تام مع التطور أصلاً..
الشيخ محارب موجود فى كل زمان.. فى كل مكان.. فى كل مجتمع.. فى كل ثقافة.. فى كل دين..
عقلية الشيخ محارب ممكن تكون عقلية فردية.. وممكن تتحول إلى عقلية جماعية أو مجتمعية..
الشيخ محارب صوته عالى.. وليه مشجعين.. ومريدين.. وألتراس طويل عريض.. لهم نفس عقليته.. بل أسوأ.. ونفس صفاقته.. بل ألعن.. ونفس اندفاعه وتهوره.. وربما أبشع..
عاوز كل أتباعه يبقوا معتمدين عليه.. يفكر لهم.. يفتى لهم.. يقرر لهم.. وهم مغمضى العيون.. مخدرى العقول.. راضعى النفوس.. وهو يعطيهم كل يوم جرعات منتظمة من الشحن والاحتقان والتحريض والتطرف..
الشيخ محارب بياخد كل يوم خطوة صغيرة لقدام.. ونبرة صوته بتعلى، وتعلى أكتر.. ووراه كل مشجعيه ومريديه وألتراسه المجنون..
بدأ يطالب بمقاطعة الأعمال الفنية التوعوية اللى مش على هواه..
بدأ يتكلم عن حرمة بعض الوظائف.. فى قطاعات هامة وحيوية ومؤثرة..
بدأ يلعب على أوتار الفتنة.. والطائفية.. والفرقة..
نزل الغيط وقرر يمارس وصايته على البسطاء من الناس..
نزل المترو.. نزل الصيدلية.. محل الكشرى.. الشارع..
الشيخ (محارب).. يتسلل أولاً بهدوء وخبث وسلاسة.. بمعسول الكلام وجميل التعبير.. ثم يتضخم.. ويكبر.. ويملك.. ويسيطر.. لغاية ما يتحول لغول ضخم عملاق.. فاتح صدره.. ومكشر عن أنيابه..
كائن أسطورى مخيف.. لن يستطيع أحد الوقوف في طريقه.. ولن يقدر أحد على ردعه..
وفى الآخر..
هايبلعنا كلنا..
لو ما أخدناش بالنا..
لو مافتحناش عينينا..
لو مازودناش جرعة الوعي.. والفن.. والعلم..والتجديد..
هايبلعنا كلنا.. كلنا..
ثم يأكل نفسه..
وينقرض..
لتبدأ دورة جديدة من الحياة..
على أشلاء الجميع..
الجميع..

د. محمــد طـــه