جسمك هو البيت اللي بتسكن فيه نفسك وروحك.. ونفسك هي البيت اللي بتسكن فيه مشاعرك وأفكارك ودوافع سلوكك.. وزي ما فيه لجسمك حُرمة.. فيه برضه لنفسك حُرمة..

بمعنى..

من حقك محدش يقرّب من حدودك النفسيّة بدون إستئذان.. من حقك ماحدش يقتحمك.. أو يخترقك.. أو يستحوذ عليك.. تحت أي مُسمّى.. ولا تحت أي ادعاء..

من حقك تحدد المسافة النفسية اللي بينك وبين أي حد.. من حقك تقرّب اللي ترتاحله واللي تطّمن له، وتمنع اللي ماتطّمنش له إنه يقرّب.. من حقك تسمح لحد إنه يقرب أكتر، وتفتحله الباب.. ويدخل البيت.. ومن حقك تُحط سور فاصل وسِياج منيع يفصل بينك وبين حد تاني..

حتى جوّه بيتك النفسي.. فيه ناس بتقعدهم في الصّالة أو الأنتريه.. وفيه ناس بتعزمهم على الأكل وتدخلهم أُوضة السُّفرة.. وفيه ناس تانيه بتسمحلهم يتحركوا في البيت براحتهم، وكأنّهم أصحاب مكان..

ليه بقى ده كله؟؟

علشان فيه ناس هوايتها الاقتحام.. اقتحام الآخرين.. يقرّب منك.. ويقرّب أكتر.. ويلاقيك فاتح حدودك.. فيدخل.. ويتجوّل.. ويحسّ إنّ المكان مكانه، فيقعد.. ويبدأ في استهلاك مشاعرك، فيخليك تحزن مكانه، وتتألم بداله، وتشيل همومه بالنيابة عنه.. وبعدين يبدأ في إنهاك أفكارك، فتحتار في مشاكله.. وتتردد في قراراته.. وتعاني في كل خطوة هو بيخطيها.. وبعد شوية كمان يبدأ في توجيه تصرفاتك لحسابه.. ورسم سلوكك لصالحه.. وإنسى بقى.. إنسى نفسك يعني..

فيه كمان ناس بتحترف الاستحواذ.. يعني يحب يمتلك الآخر.. ويحتل أرضه.. يبقى عاوزك تكون موجود ومُتاح ليه طول الوقت.. يبقى عاوز يستحوذ على انتباهك.. واهتمامك.. وتفكيرك.. ومشاعرك.. وبعد شوية.. حياتك.. آه.. يعني يبقى عاوزك تعيش له.. مش لنفسك.. وكتير من قِصص الحب المُؤلمة بيكون فيها ده.. وده بيؤدي لتدمير أحد الطرفين تمامًًا.. وكتير من الزواجات الفاشلة بيكون ده سببها.. وكتير من الأمراض النفسية اللي بتصيب الأولاد الصّغار والشباب في مُقتبل العمر بيكون وراها إن الأب والأم متصورين إن ابنهم أو بنتهم مشروع حياتهم (مش مشروع حياته)، وإنه لازم يحقق أحلامهم (مش أحلامه)، ويعمل اللي هما ماقدروش يعملوه (مش اللي هو عاوز يعمله)..

كمان فيه ناس بتبقى عاملة زي مصاصين الدماء.. يعني يبقوا عاوزين يِمُصوا دمك.. يبقوا عاوزين ياخدوا منك كل اللي يقدروا ياخدوه.. تبقى إنت صاحب العطاء الدائم الذي لا ينقطع.. تدي.. تدي.. تدي، تنزف.. تنزف.. تنزف.. تحب.. وتقبل.. وتسامح.. وتسمع.. وتفهم.. وتقدر.. وتُعذُر.. وتستحمل.. وتقطّع من نفسك كل يوم حتة تقدمها قربان ليهم.. وتدفع كل يوم تمن غالي في سبيل رضاهم.. وهم مش بيشبعوا.. ولا هيشبعوا.. أبدًا..

فيه ناس بقى.. ودُول أخطر من الجميع.. بيدَوِبُوا الحدود.. ويزيلوا الفواصل.. لغاية ما تعرفش فين حدودك من حدودهم.. فين الخط الفاصل بينك وبينهم.. فين إنت وفين هُما.. تتوه جواهم أو يتوهوا جواك.. وماتعرفش اللي إنت حاسّه ده تبعك واللّا تَبَعهُم.. واللي شايفه ده بعيونك و اللّا بعيونهم.. واللي جواك ده بتاعك واللّا اترمى فيك من عندهم.. تتلخبط.. تحتار.. وبعدين.. تضيع..

على النقيض، فيه ناس بقى بيبقوا واقفين على الحدود.. مستنيين الإذن.. مستنيين الإشارة الخضرا.. في انتظار إنك تفتح الباب..

وناس رايحه جايه بتحوم حواليك.. كل أملها.. إنك تاخد بالك.. مُجرد تاخد بالك..

وناس واقفة هناااااك.. بعيد.. بعيد جدًا.. مش عارفة تقرب ولّا تبعد..

قوم بقى اطّمن على حدودك.. وراجع المسافات اللي بينك وبين النّاس.. شوف مين موجود فين.. مين قُريب.. مين قُريب أوي.. مين قُريب لدرجة الخطر.. ومين مُقتحم.. ومين مِستحوذ.. ومين مُحتل.. ومين بيمُص الدم.. واعمل التعديلات اللازمة .. وحُط كل حد في مكانه..

شوف كمان مين على الباب.. ومين رايح جاي.. ومين واقف بعيد.. وكُلهم مستنيين الإذن.. والإشارة الخضرا.. لو إنت تحب..

نقول تاني..

من حقك تحدد مين.. هايكون فين.. إمتى..

مهم حدودك تبقى واضحة.. وأرضك تبقى آمنة.. ومهم إنك تدافع عنها وتحميها.. ضد أي أذى من أي نوع..

تحديد المسافة بينك وبين أي حد حق أصيل ليك.. زي ما هو حق أصيل لكل النّاس..

بيتك النفسي ملكك.. مش ملك أي حد تاني.. حافظ عليه.. لأنّه أمانة.. هيسألك عنها اللي سلمك عقد ملكيته المؤقتة يوم ما خلقك..

رُفعت الأقلام.. وجفَّت الصحف..

 

د. محمد طه