* وسط زحمة الكتب الكتيييير جداً عن العلاقات، واللى زادت -وبتزيد- فى الفترة الأخيرة.. مهم نعرف إنه ماينفعش تعميم أى تجربة شخصية لأى انسان، وان كل حد بيكتب بصيغة “إعمل كذا” و”ماتعملش كذا”، وإن “ده الصح”، و”ده الحل”، و”دى الحقيقة”، و”دى خلاصة وعصارة الخبرة الطويلة”، هو فقط بيتكلم عن نفسه، ورؤيته القاصرة، وتجربته المحدودة بظروفه هو وتوقيته هو واختياراته هو.. وده لا يعنى بالضرورة إنه يسرى على حد غيره، أو يمكن تطبيقه فى ظروف أخرى وتوقيت آخر ووجود اختيارات أخرى.. حتى الحقائق العلمية، يكون من الخطأ أحياناً تعميمها.
 
* وسط زحمة الفيديوهات والبوستات والصفحات اللى بتتكلم فى الأمور النفسية، مهم نعرف إن مش كل اللى بيقول أو بيكتب أو بيجاوب هم ناس متخصصين أو بيتكلموا عن علم أو دراسة أو حتى خبرة اكلينيكية.. بالعكس، الأغلب مش متخصصين، ومالهومش أى علاقة بالطب النفسي وعلم النفس غير إنهم قرروا بين يوم وليلة (لأسباب كتير جداً)، إنهم يكتبوا.. أو يعملوا فيديوهات.. أو يدشنوا صفحات.. ويسموا نفسهم (متخصص فى العلاقات).. (استشارى علاقات زوجية).. (أخصائى مشاكل أسرية).. مافيش أى دراسة أو كلية أو جامعة بتمنح حد هذا اللقب أو تلك الشهادة بشكل يؤهل للاعتماد كمعالج نفسي من وزارة الصحة (لغير المتخصصين) حتى الآن.
 
* وسط زحمة أماكن ومراكز الاستشارات النفسية، مافيش أى مشكلة إنك تسأل الشخص اللى رايح تطلب مساعدته هو مين؟ ودارس إيه؟ وإيه الشهادات اللى معاه؟ ومين اللى بيشرف على شغله؟ وهل معاه ترخيص لممارسة العلاج النفسي من وزارة الصحة واللا لأ (إما طبيب نفسي، وإما أخصائى نفسي خريج كلية الآداب قسم علم النفس ومعاه شهادة عليا بعد الليسانس)، وهل المكان اللى شغال فيه مرخص لعمل علاج نفسي واللا لأ.. ماينفعش يقدملك خدمة الاستشارات النفسية مهندس أو مدرس أو محاسب – مع كل الاحترام والتقدير لوظائفهم- مهما كان أخد من كورسات أو دورات تدريبية أو ورش عمل، وماينفعش تخضع للعلاج أو الاستشارات النفسية فى co-working space.
 
* وسط زحمة الكلام عن العلاج النفسي واتجاهاته ومدارسه وورش عمله وكورساته، سهل جداً إن الواحد ينقد زمايله، ويعارض أساليبهم وتقنياتهم ومدارسهم العلاجية، ويتباهى على صفحات السوشيال ميديا بعلمه ومعرفته واختلاف نظرته وتحليله وفهمه للظواهر المرضية والعلاجية، بس ده مكانه النشر فى المجلات العلمية، ومراسلة الدوريات البحثية، لأنه يستلزم دحض البحث بالبحث، والدراسة بالدراسة، والحجة العلمية بالحجة العلمية، وليه قواعد وآداب وضوابط ومراجع موضوعية.. الاستبصار بالنفس دايما مخيف ويدعو للهروب فى استبصار الآخرين.. ونقد الذات دايما صعب ويغرى بالاستسهال بنقد الغير.. وأبقى أنا اللى فاهم.. وأنا اللى عارف.. وأنا اللى باتكلم من فوقية (تبدو تواضعاً)، وهلامية (تبدو تماسكاً)، وشخصنة (تبدو علمية).. ثم تنزل على جذور رقبتها عند أول احتكاك حقيقي بالواقع على الأرض.. اللهم احمينا من الوقوع فى هذا الفخ البراق اللامع..
 
* وسط زحمة البرامج واللقاءات والحوارات والفقرات المهتمة حديثاً بالجوانب النفسية فى كتير من القنوات والفضائيات، مهم نعرف إن الطب النفسي حاجة، والتنمية البشرية حاجة، والبرمجة اللغوية العصبية NLP والطاقة والريكى وما شابه حاجة تانية خالص.. ورغم كده.. كله بيتكلم فى كله..
 
* وسط زحمة الإدمان، وأنواع الإدمان، وعلاجات الإدمان.. مهم نعرف إن المدمن علاجه مش فقط الإقلاع عن الإدمان فى مستشفى أو مركز أو مكان للديتوكس.. وإنما علاجه الحقيقي هو ما بعد ذلك.. هو تفكيك وإعادة تركيب شخصيته الإدمانية اللى وصلت بيه لهذا المصير.. هو تأهيله للعمل والزواج والحياة.. واللى لو ماحصلش.. هايبطل إدمان مخدرات النهاردة.. ويدمن حاجة تانية (أو نفس الحاجة) بكرة..
 
وسط كل ده الزحمة دى بقى.. انت المسئول.. تصور!!
 
انت مسئول عن اللى بتسمعه.. هاتصدقه واللا مش هاتصدقه.. وبناء على إيه..
 
مسئول عن اللى بتشوفه.. هاتفلتره واللا هاتاخده كده مسلم بيه لا يقبل النقاش..
 
مسئول عن اللى بتقراه.. هاتغربله وتفصل الخبيث عن الطيب.. واللا هاتشرب السم فى العسل.. وتقول كمااان..
 
مسئول عن وعيك.. وعن عقلك.. وعن رؤيتك..
 
احنا فى وقت اختلط فيه كل شيئ بكل شيئ..
وكل حد بقى بيتكلم بلسان التانى..
وكل الناس تحولوا إلى علماء وأدباء وكتاب ونقاد..
 
وعلشان كده..
مافيش غير انك تستفت قلبك..
ولو أفتوك..
ولو أفتوك..
ولو أفتوك..
 
د. محمد طه