العنوان يخض.. مش كده؟

طبعًا أول صورة جت في ذهنك أول ما قريت العنوان ده.. هي صورة واحد مُدمن مخدرات قاعد في أوضة لوحده أو في وسط شلّة من أصحابه وبيضرب مخدرات..

أحب أقولك لا يا صديقي.. الإدمان مش بس إدمان مخدرات..

إدمان المخدرات هو بس أوضح أنواع الإدمان وأشهرها.. لكنه مش أخطرها ولا أكثرها انتشارًا..

فيه إدمان للجنس.. يعني مُمارسات جنسية موتورة ومتتابعة بمعدل وطريقة خارج النطاق الطبيعي..

وفيه إدمان للعمل.. يعني تشتغل وتشتغل وتشتغل لغاية ما تنسى نفسك واللي حواليك وحقك على نفسك وحقهم عليك..

وفيه إدمان للعلاقات المُؤذية.. يعني تعمل علاقة مع حد يؤذيك نفسيًّا أو جسديًّا أو عاطفيًّا.. وبعد ما تنتهي العلاقة دي.. تدور على حد تاني بنفس المواصفات.. وتكرر معاه نفس شكل وتفاصيل الأذى.. مرة.. ومرّة.. ومرّات..

وفيه إدمان لدور معين في سيناريو حياتك وتكراره بلا نهاية.. يعني تدمن لعب دور الضحية في كل علاقاتك.. أو تدمن لعب دور الجاني.. أو تدمن لعب دور المُنقذ..

فيه إدمان للفلوس..

فيه إدمان للسفر..

فيه إدمان للقراية..

فيه إدمان للفيسبوك..

فيه إدمان للوحدة..

فيه إدمان للخوف..

فيه إدمان للعلم (دون تعلّم حقيقي)..

فيه إدمان للتدين السطحي المُزيف (دون تدين أصيل عميق)..

وطبعًا فيه إدمان للحب (المُزيف برضه).. لما طرف يتشعلق ويتشعبط بالطرف التاني.. ويرتبط بيه بحبل سُري طويل وسميك وخانق.. ما يعرفش يعيش من غيره.. ولا حتى يعرف يتنفس في غيابه.. وتفقد حياته معناها في عدم وجوده..

فيه إدمان لكل حاجة.. كل حاجة..

أقولك على سر..

عارف المُدمن بيدور على إيه؟

أوعى تفتكر إنه بيدور على الحشيش أو البرشام أو البودرة أو اللذة الجنسية أو الفلوس أو… أو.. أو أي حاجة من دُول.. لا.. كل دي بدايل.. مُجرد بدايل.. وبدايل خيبانة وضعيفة جدًّا..

المُدمن بيدور على حاجة تاني خاااالص.. حاجة فقدها من زمان.. من زمان جدًّا..

المُدمن عنده ثقب أسود كبير جدًّا في نفسه بيحاول يملاه بأي شكل ويبلع من خلاله أي حاجة..

المُدمن عنده احتياج نفسي أساسي وعميق للغاية..  المفروض بعد قراءتك للفصول اللي فاتت تكون عرفته لوحدك..

المُدمن محتاج علاقة..

أيوه..

المُدمن محتاج علاقة مع حد.. بس مش أي علاقة.. ومش أي حد..

المُدمن محتاج علاقة مع حد ما يقولهوش (لا) على الفاضية والمليانة.. زي ما كان بيتقاله من أبوه وأمه زمان..

المُدمن محتاج علاقة مع حد يلاقيه وقت ما يحتاجله.. مش يكون مسافر أو مشغول عنه ومش مهتم بيه..

المُدمن محتاج علاقة مع حد يسعده ويبسطه ويفرّحه بدون شروط حتى وهو في أتعس وأضعف حالاته الإنسانية.. مش حد يديله ده بشروط حادّة وصارمة.. زي إنه يسمع الكلام أو يشرب اللبن..

المُدمن محتاج علاقة مع حد يخفّف عنه إحساسه العميق بالألم ويطبطب عليه ويطيب جراحه.. مش حد يدوس على جرحه ويحسسه بالذنب مع كل نفس بيتنفسه..

المُدمن محتاج علاقة مع حد يرضيه ويشبع حرمان واحتياج سنينه وأيامه الأولى لغاية ما يفقد وعيه من الشبع وينام من الرضا.. زي الطفل الرضيع في حضن أمه.. مش حد يتفنن في سلبه وحرمانه من حقه في الشبع ومتعته في الرضا..

المُدمن اتحرم من علاقة واحدة في حياته توصله ده.. بس لقاه كله في مادة إدمانه.. بغض النّظر عن اسمها وطبيعتها: ما بتقولهوش (لا) على الفاضية والمليانة.. بيلاقيها وقت ما يحتاجلها.. بتسعده وتبسطه وهو في أضعف حالاته الإنسانية.. بتخفّف إحساسه العميق بالألم لغاية ما يفقد وعيه وينام..

المُدمن بقى مُدمن.. لأنه محتاج..

محتاج علاقة تقدمله ده كله..

حتى لو كانت العلاقة دي مع قرص ترامادول..

المُدمن هايفضل يدمِن طول ما العلاقة دي مش موجودة.. أو مش موجودة بشكل حقيقي.. لكن لو العلاقة دي اتوجدت مع أي حد حواليه (وبشكل حقيقي).. هايبطل إدمان.. فورًا.. وللأبد.. مهما كان شكل إدمانه.. ومهما كانت مادة إدمانه..

علاقة حقيقية فيها حُب غير مشروط وقبول واحترام وسماح وتفهم واستيعاب.. مهما حصل..

علاقة حقيقية يوصله منه فيها تقدير وقرب واهتمام.. اهتماااااااااااام..

علاقة حقيقية تكون مليانة صدق ورحمة.. في كل الظروف والحالات..

اللي معندوش العلاقة دي يقوم يدور عليها.. لغاية ما يلاقيها.. ويتمسك بيها.. ويحافظ عليها.. لأن البديل تمنه غالي.. غالي أوي..

شوفتوا الغُلب..

شوفتوا الوجع..

شوفتوا فيه كام مُدمن حوالينا في الشوارع والبيوت وأماكن العمل وغيرها وغيرها!!

فيه حد شاف هو شخصيا بيدمن إيه؟

فيه حد شاف هو نفسه محتاج إيه؟

فيه حد هايقوم يدور على البديل الحقيقي من خلال علاقة (إنسانية) حقيقية؟

يا ريت نبدأ..

دلوقت..

د. محمد طه