متضايق من حاجات كتير فى مصر؟
جداً.. متضايق جداً.. بس كل ما اتضايق أفتكر أول حوار بينى وبين سواق التاكسى الانجليزى اللى أخدنى من مطار هيثرو أول ما نزلت انجلترا وانا رايح احضر الدكتوراة.. افتكر كمية الشكوى والغضب والضيق اللى الراجل عبرلى عنهم ناحية بلده (اللى هى انجلترا).. الاسعار والروتين والحكومة ورئيس الحكومة والاجراءات والمرتبات وكل حاجة.. وكنت باقول بينى وبين نفسي.. الراجل ده بيتكلم بجد؟ أمال لو جه مصر هايعمل إيه؟

عندى غضب أحياناً؟
آه.. وأحياناً كتير كمان.. غضب من كل حاجة.. كله..كله.. بابقى هاطق من جنابى.. بس غضبى كله يتضاءل ويتقزم قدام نقطة دم واحدة نزلت من أحد شهداء مصر..

عندى ملاحظات وانتقادات؟
يووووه.. ملاحظات وانتقادات وتحفظات ورفض وشجب وإدانة للصبح.. بس كلهم مالهومش أى معنى جنب مشهد جندى بطل قرر بكامل وعيه وإرادته إنه يمسك سلاحه الأخير ويجرى بيه وجهاً لوجه، فى وش خاين جبان مستخبى ورا ترسانة أر بى جيه..

ولا أى حاجة فى الدنيا تساوى نقطة عرق واحدة فى عز الحر، تنزل من جبين مجند سايب بيته ومراته وولاده.. وعايش وسط جفاف الصحرا وقسوتها..

ولا أى نظرية علمية فى التاريخ، تقدر تفسر ثبات وصمود وإخلاص شباب زى الورد، ودّعوا أمهاتهم وهما مسافرين لوحداتهم وكماينهم، ومش عارفين هايشوفوهم تانى واللا لأ..

ولا أى مقابل فى الكون، يوفى حق بطل شجاع زهد فى الحياة، وضحى بنفسه علشان مايترفعش على شبر من مصر علم غير علمها..

الأمريكان يقعدوا يعملوا أفلام ضخمة وملحميات جبارة لأبطال أسطوريين.. سوبرمان وبات مات وسبايدر مان وأى مان معدى..

واحنا عندنا كل يوم أبطال حقيقيين لحم ودم بيعيشوا ويموتوا بكل بسالة وشرف وإخلاص.. والباقيين كلهم أرواحهم على كفوفهم وأكفانهم فى جيوبهم.. وشهادتهم على ألسنتهم ليل نهار..

أمام مشاهد اليوم من ملحمة البرث.. واللى ماكناش نعرف عن تفاصيلها وأبطالها هى وغيرها كل ده..

يتضاءل كل شئ.. وتتضخم وجوه الأبطال المخضبة بالدماء..

تختفى كل المعالم.. وتخلد كلماتهم الأخيرة “مايخدوش حد مننا.. ولا حى ولا شهيد”.. “مايرفعوش علمهم على شبر واحد من مصر”.. “ايدى التانية لسه شغالة”.. “ماتنسوش يا رجالة.. أتدفن بأفارولى”..

تبهت كل المشاهد.. ويضئ مشهد الجنود الأبطال وهما بيجمعوا جثث بعض فى أوضة واحدة..

تخفت كل الأصوات.. وتعلو أصواتهم بالشهادة.. فى وجه إرهاب نذل خسيس جبان..

رحم الله شهداء البرث، وكل شهداء مصر..
رحم الله البطل أحمد المنسى وكل رفاقه الأبطال..
اللهم تقبلهم عندك مع النبيين والصديقين والشهداء..

د. محمـد طــه