(سيجموند فرويد) كان عنده صاحب وأستاذ اسمه (بروير).. بروير كان برضه محلل نفسي واشتغل وكتب مع فرويد شوية.. وكان عنده مريضة مهمة جدًّا في تاريخ التحليل النفسي اسمها (أنّا) بتشديد النون.. كانت بتعاني من أعراض نفسية كتيرة وصعبة اصطلح على تسميتها وقتها (هيستيريا).. (أنّا) خلال رحلة علاجها حست بمشاعر حب وانجذاب ناحية الدكتور بتاعها.. والمشاعر دي فضلت تزيد لغاية ما تحولت لرغبة جنسية وأحلام بالزواج.. (بروير) كان بيحلل ده نفسيَّا ويحاول يحله ويعالجه بهدوء، لغاية ما (أنّا) تصورت إنها حامل منه وبدأت تطارده.. الراجل توقف عن علاجها وحوّلها للمستشفى.. ويقال إنه من وقتها ساب المهنة كلها..
المهم.. فرويد كان شريك بروير في الشغل والتحليل النفسي.. وكان بيتابع تحليل وعلاج حالة (أنّا).. وقدر من خلال ده إنه يكتشف إن كل المشاعر اللي كانت (أنّا) بتحسها ناحية (بروير) هي في الحقيقة مشاعر قديمة ومتخزنة جواها ناحية حد تاني خالص.. افترض إنه أبوها.. وإن المشاعر دي فضلت كامنة ساكنة جواها لغاية ما جه شخص في حياتها يمثل دور الأب (اللي هو كان المعالج النفسي).. واتحركت المشاعر دي تاني، وتم إسقاطها (طرحها) على شخص (بروير)، وبقت حاسة إنها بتحبه وبقي عندها الرغبة الطفولية في إنها تعيش حياتها معاه على طول..
حالة (أنّا) بالإضافة لكتير من الحالات اللي كان بيعالجها فرويد وبروير ساعدت على صياغة مفهوم اسمه (الطرح) ودخوله عالم التحليل والعلاج النفسي لغاية النهاردة..
(الطرح) معناه ببساطة إعادة توجيه مشاعر وأفكار وساعات سلوكيات ناحية حد معين في الحاضر (بشكل غير واعي) في حين إن أصلها ناحية حد تاني خالص في الماضي.. وليه صور كتير جدًّا.. ممكن حب.. ممكن كره.. ممكن غضب.. ممكن تقديس.. وغيره وغيره..
المفاجأة بقى إن ظاهرة (الطرح) دي مش بتحصل بس في حجرة العلاج النفسي.. لا.. دي بتحصل في البيت.. وفي الشارع.. وفي الشغل.. وفي أي حتة..
أوباااااااااااااااااااااااااا..
إيه الكلام ده؟!
الكلام ده معناه ببساطة إن ممكن حضرتك تحس بمشاعر ناحية حد.. وهي في الحقيقة ناحية حد تاني خالص !!
لما حضرتك تشوف واحدة في الشارع لأول مرة.. وتحس ناحيتها بحب مفاجئ وقوي وسريع ورهييييييب.. وتشوف فجأة إنها أفظع بنت في الدنيا، وأروع كائن في الوجود، وإنها مليانة حنية ورقة وملائكية، من غير حتى ما تكلمها كلمة واحدة.. يبقى ساعتها فيه احتمال كبير إن المشاعر دي تكون قديمة ومتخزنة جوالك ناحية حد تاني خالص.. حبيبة سابقة.. مدرستك زمان.. صورة والدتك المثالية في ذهنك.. وهكذا..
بلاش كده.. لما رئيسك أو مديرك في الشغل يعدي من قدامك وينسى يقولك صباح الخير.. تقوم حضرتك تحس بغضب شديد، أو خوف غير مبرر، وتبدأ تتعامل معاه بشكل مليان جفاء وعنف أو رهبة ورعب.. يبقى غالبًا الموقف ده حرك فيك مشاعر قديمة ناحية حد تاني في حياتك.. من أول مدرسك في ثانوي.. لغاية أبوك..
لما تروح بيتك.. وتحصل بينك وبين مراتك مناقشة عادية جدًّا لأي سبب تافه.. وتلاقي منها رد فعل قوي وعنيف وغير متناسب مع الموقف أو السبب.. يبقى هي غالبًا مش بتكلمك إنت.. دي بتكلم حد تاني قديم في شخصك..
وما فيش أشهر من المثل المتكرر كل يوم بين الزوجة وحماتها.. اللي بتقوم فيه الزوجة عادة بشكل غير واعي بطرح كل مشاعرها السلبية الكامنة في عقلها الباطن ناحية أمها (واللي ممكن هي نفسها ما تكونش عارفة إنها موجودة ولا عبرت عنها قبل كده) وتعيد توجيهها ناحية حماتها.. في مشهد متكرر بشكل يثير الدهشة في معظم البيوت تقريبًا.. من غير ما حد يسأل: هو ده أصله إيه؟
بعض عمالقة التحليل النفسي بيقولوا إنه ما فيش علاقة تخلو في مرحلة من مراحلها من جزء (طرحي).. وإن النمو الصحي للعلاقات بيخلي الجزء ده أقل ما يكون.. والجزء الحقيقي هو الأكبر والأغلب..
بالمناسبة.. أكتر وأشهر أنواع العلاقات اللي بتسهل عملية (الطرح) دي هي العلاقات عبر الإنترنت أو التليفون.. اللي مش بتكون شايف فيها الطرف التاني وإنت بتكلمه.. وده بيساعد جدًّا إنك ترمي عليه من جواك كل اللي متخزن ومش لاقي حد يترمى عليه..
طبعًا الموضوع أعقد من كده بكتير لأن كمان فيه مسئولية بتقع على الجانب الآخر في تحريك وتنبيه وساعات إثارة بعض المشاعر المتخزنة جوانا وتوجيهها ناحيته.. إلى جانب إنه ممكن حد يتعامل معاك بمشاعره ناحية نفسه هو شخصيًّا أو ناحية جزء بيحبه أو بيكره فيها..
إحنا غلابة جدًّا..
تصور إنك في بعض الأوقات مش بتكون شايف اللي قدامك وإنت بتكلمه.. وبتكون في الحقيقة شايف جواك حد غيره..
وإن ساعات حد يكون بيتعامل معاك على إنك شخص تاني إنت ما تعرفوش أصلاً..
وإن علاقاتنا مع بعض مش إحنا بس الشريك الأساسي فيها..
طيب.. أعرف منين إذا كانت مشاعري وأفكاري وسلوكياتي ناحية حد طبيعية واللا (طرحية)؟
طبعًا ده سؤال صعب وإجابته أصعب.. لكن باختصار.. أول ما تلاقي مشاعرك ناحية حد كتيرة جدًّا.. وسريعة جدًّا.. وما لهاش أي مبرر.. اعرف فورًا إنك (غالبًا) مش شايف الحد ده، ومش بتتعامل في الحقيقة معاه هو.. إنت بتتعامل مع حد تاني، من خلاله.. طبعًا فيه حاجات واحتمالات وتفاصيل تانية كتير.. بس مش وقتها..
فيه دعاء شهير بيقول: (اللهم أرنا الأشياء كما هي)..
يا رب..
أرنا الأشياء كما هي..
د. محمد طه