فيه محتويات ثابتة فى العقل الجمعى بتاع البشرية كلها.. يعنى صور ورموز بمعانيها كما هى موجودة فى العقل الباطن بتاع كل البشر بغض النظر عن مكانهم وزمانهم وثقافتهم.. كل البشر بالمعنى الحرفى..
المحتويات دى زى ما هى بنفس الأوصاف (تقريباً) عند كل الناس.. أنا وانت والجيران والأصدقاء والمعارف والناس اللى فى أمريكا واستراليا والسعودية واليابان وجزر القمر وكله.. كله..
الحاجات دى بنسميها Archetypes .. أو النماذج/ الأطر الأولية.. من أشهرها (الرجل الحكيم الكبير- Old wise man)- واللى هايخطر فى فى ذهنك دلوقت مباشرة صورة راجل كبير فى السن شعره أبيض ودقنه بيضا طويلة ولابس أبيض فى أبيض.. و(المخادع- Trickster)- وده مرتبط فى ذهن كل الناس بحد بيلعب بالبيضا والحجر وبيسخدم الذكاء والتلاعب للتحايل على القوانين والقواعد.. و(البنت العذراء- Maiden) ودى فى عقول كل الثقافات والشعوب هى البنت الجميلة البريئة العذراء- فتاة الأحلام، اللى بيجرى وراها الشاب/الرجل، ويغنى لها.. ويرسمها.. ويعمل كل حاجة، ويتحدى فى سبيلها أى شئ.. علشان ينالها ويصل إليها..
فيه بقى Archetype مهم جدا وشهير جداً جداً.. اسمه (البطل- Hero).. وده الشخص اللى بتظهر قدامه صعوبات وتحديات شديدة، ويواجهها بشجاعة وإصرار.. ويقع ويقوم كذا مرة.. لغاية ما ينتصر فى الآخر ويحقق اللى هو عاوزه..
كل الناس.. كل الثقافات والشعوب.. كل الأزمنة والأماكن.. فيها نفس المحتويات دى فى عقول الناس الباطنة..
الحاجات دى بتظهر كتير جداً فى الدراما.. والأغانى.. والأمثال الشعبية.. والأساطير.. والفولكلور.. وهكذا..
العقل الجمعى بيسقط ويظهر محتوياته بهذه الطريقة..
فتلاقى جندولف فى سيد الخواتم بيمثل الرجل الحكيم- والجوكر بيمثل المخادع- وكل فتيات الأحلام فى السينما والدراما بيمثلوا الMaiden- وكل أفلام ومسلسلات السوبر هيروز- وجيمس بوند- ومهمة مستحيلة بيمثلوا البطل.. والأمثلة فى ثقافتنا والدراما الخاصة بينا كتيرة جداً أيضاً.. من أول أدوار سعاد حسنى وفاتن حمامة.. وصولاً إلى أبوزيد الهلالى والنمر الأسود.. وهكذا..
كل ما تلاقى عمل درامى أو سينمائى بينتشر ويشتهر ويدخل كل/معظم البيوت.. ويبقى ليه ردود أفعال ومتابعة كبيرة جداً، تعرف على طول إنه بيلمس فى عقول الناس واحد أو أكتر من هذه الArchetypes- النماذج العقلية الأولية.
مسلسل (جعفر العمدة) بيقدم حكاية البطل- Hero.. بهذا المعنى.. وهى حكاية -زى ما اتفقنا- قديمة قدم الأزل، وبيتم تقديمها كل يوم فى كل مكان لكل الناس، بأشكال وتفاصيل مختلفة.. بطل.. أمامه تحديات ومؤامرات وصعوبات شديدة.. يواجهها.. يتغلب عليها.. ينتصر (غالباً) فى النهاية..
تمام؟
مش تمام أوى..
ليه؟
لأن مكونات العقل الجمعى مش مكونات جامدة متحجرة ثابتة.. مش Static.. بالعكس.. هى مكونات متحركة ومتغيرة وبتتأثر بما هو خارجها زى ما هى بتؤثر فيه تماماً.. هى مكونات Dynamic..
بمعنى.. ان الاعمال الدرامية اللى بتعرض الHero.. بتتأثر بالموذج المتخزن فى عقلنا الجمعى.. ولما الناس تشوفها وتتفاعل معاها، فهى برضه بتؤثر في عقلهم الجمعى، وممكن تعمل فيه تعديلات وتغييرات (على مدى سنين طويلة).. كأنك بتعمل update للصورة المخزونة فى دى كل شوية من خلال طريقة وتفاصيل عرضك ليها..
انت بتاخد من العقل الجمعى.. وترجّع له تانى.. بتفتح ملف الوورد المتخرن جواك.. وتعدل فيه.. وتخزن النسخة الجديدة كل شوية.. ولما ده يستمر ويتكرر لفترات طويلة.. الصور المخزونة دى بتتغير فعلاً.. وتصبح من مكونات العقل الجمعى لأجيال كثيرة قادمة..
إيه بقى صورة البطل فى (جعفر العمدة)؟
بلطجى.. متزوج أربعة وبيعاملهم كالجوارى.. شري وسهر وتلاعب بالمال.. ومعندهوش أى قيم حقيقية..
احنا محتاجين جنب الإعجاب الشديد بالمسلسل.. والاشادة الشعبية والمتابعة وردود الأفعال الضخمة جداً، اننا نسأل نفسنا:
الصورة دى ده هاتؤثر ازاى على الوعي.. والعقل الفردى.. والعقل الجمعى؟
النموذج ده هايغير ازاى فيما هو معروف ومخزون عن البطل الشهم المغوار المحتفظ بالقيم وغير المتنازل عن المبادئ؟
الحالة دى هاتنعكس ازاى على سلوكيات وتصرفات كتير من الناس.. خاصة الشباب.. حالياً.. ولأجيال قادمة؟
طبعاً حالة الهوس والتقمص وعدم التفرقة بين الدراما والحقيقة.. اللى تخلى ناس تفرق شربات.. وناس تعلق لافتات تهنئة لخروج (جعفر العمدة) من السجن.. هى أمثلة صارخة على اللى وصفته فوق..
النهاردة جعفر العمدة فى الدراما..
مش عاوزين نلاقيه بكرة فى الشارع..
د. محمـد طـه