من قلب حجرة العلاج النفسي.. وخلال أسبوع واحد:
– أخ بيضرب أخته علشان مش عاوزها تخرج من البيت تروح كورس تعليمى يومين أسبوعيا. الأم مش عاوزاها تخرج من البيت أصلا. والأب شايف ان رجوعها البيت بعد المغرب فضيحة.
– أب رافض ان بنته تشتغل فى التدريس بالجامعة علشان ده معناه انها هاتبطل تعتمد عليه وهاتعتمد على نفسها وانها كده هاتبقى أقوى منه.
– أخ ضرب أخته ضربا مبرحا لأنها مش عاوزة تديله فلوس (وهى أصلا مش معاها). بلغت فيه وعملتله محضر. الأم هربته من البيت قبل ما يتقبض عليه، وباقى العيلة قاطعوا البنت وهددوها بانهم هايحبسوها فى البيت لو ما اتنازلتش عن المحضر.. واتنازلت.
– زوج بيضرب زوجته بعنف وبصورة شبه يومية.. ابنتهم الكبيرة تاخد اخواتها الصغيرين وتستخبى بيهم تحت السرير علشان تطمنهم وتحميهم.
– أب عاقب بنته بأنه قعد يخبط دماغها فى الحيط لغاية ما فقدت الوعى.. ولما الناس اتجمعت علشان يحوشوه.. قالهم بنتى وباربيها..
– خال يتحرش ببنت أخته، ولما البنت قالت لأمها ضربتها وقالتلها انتى بيتهيألك واوعى تقولى كده تانى.
– زوج بيفتش تليفون مراته فجأة كل شوية ويقولها علشان انا خايف عليكى وبحميكى.
– شاب عاطل بيضرب أخته الكبيرة الجامعية علشان لبسها مش عاجبه.. الشاب بيفتخر قدامى إنه بيمارس الجنس كل يوم مع واحدة غير التانية.
– مُدرسة فى مَدرسة بنات بتكلمهم عن خطورة وأذى الختان ومخالفته للدين والإنسانية والقانون.. البنات اعترضوا والمدرسات زمايلها فى المدرسة اعترضوا أكتر لأنهم شايفين ان الختان (طهارة) للبنت.
– أب عمال يرفض أى عريس بيتقدم لبنته اللى تجاوزت ٣٠ سنة من غير ما ياخد أو يحترم رأيها. والأم مش شايفة انها تصلح زوجة من أصله..
خلال نفس الأسبوع مجموعة من الكلاب البشرية الهائجة هجموا على بنت ماشية فى أحد شوارع المنصورة، واتحرشوا بيها بألفاظ وأفعال جنسية، فى فيديو مرعب مليئ بصراخها واستغاثتها وانهيارها التام وسط عشرات من المسعورين.. الألعن والأبشع من كل ده هو ان أغلب تعليقات الناس (والستات أكتر من الرجالة) على الحادث كانت “هى تستاهل”..
وأخيرا تخرج علينا أغنية اسمها (سالمونيلا- نوع من البكتيريا) تشتم البنت اللى تقول (لأ) للى بيعاكسها ويتحرش بيها ويطلب رقم تليفونها، وبيهددها بالفضيحة وتشويه السمعة والإصابة بالمرض. دى بعض كلمات الأغنية اللى قال صاحبها بعد كده انها (هزار وكوميديا)- طيب انا سمعتها فى الراديو وماشوفتش الفيديو):
أنا شفتك مرة ف حته في يوم وطلبتي لاتيه
فهروحلك نفس الحتة لحد ما اقابلك فيه
ومش همشي أنا قبل ما آخد رقمك ف ماتكسفنيش
وإن قولتلي لا يلعن ابو شكلك بكره يقابلك حد يقولك
لا تلق طعامتك تيجي ف كرامتك تبقى
ويجيلك Salmonella سالمونيلا
وتصحي فشله وتجري ورايا ماتلحقنيش
عشان تبقي تقولي لا.. عشان تبقي تقولي لا
ارفضيني بقرارك انا عادي كده كده
بس هجري اقول لكل شاب انك بنت مسكبه
بلا فرح بلا شقة عشان تبقي تقولي لا
هوبا عادي نسيتك فجأه
عنيكي طلعت لينسيز زرقة
معايا شنجن وانتي لا
عشان تبقي تقولي لا.. عشان تبقي تقولي لا..
***************************
كل ده نتيجة ايه بقى؟
كل ده نتيجة اننا فى مجتمع بيوصل لكل ذكر إنه نصف إله.. كامل العقل والدين.. يأمر فيطاع.. لو نام غضبان على مراته، تبات الملايكة تلعنها لغاية الصبح..
كل ده نتيجة اننا فى بيوت بيوصّل معظمها لكل أنثى إنها عبدة ناقصة وخادمة مطيعة مش من حقها تخرج ولا تدخل ولا تشتغل ولا تلبس ولا تسافر ولا تتجوز ولا تتطلق ولا تتحرك ولا تتنفس إلا بإذن سيدها وولى أمرها.. ولو قالت (لأ) تبقى ناشز تستحق العقاب ولو بالضرب..
كل ده نتيجة اننا فى ثقافة بتفرق بين الرجل والمرأة بشكل أقرب ما يكون إلى العنصرية..
كل ده نتيجة الرسايل المتوارثة من أيام الجاهلية الأولى بوأد البنات أحياء.. بس هما كانوا بيوأدوهم جسديا بوضوح وصراحة ومباشرة.. لكننا بنوأدهم نفسيا ومعنويا باسم تربية مشوهة وعادات مريضة..
كل ده نتيجة عقلية جماعية مريضة ترى أن الأنثى عار.. وحريتها خطر.. وأنوثتها فضيحة يجب سترها أو التخلص منها.. أو حتى إيذاءها والانتقام منها.
ممكن حد يقوللى ازاى أى بنت تنشأ سليمة نفسياً وسط كل ده؟
ازاى أى ولد ماتتصبغش شخصيته بخليط -ولو بسيط- من النرجسية والسيكوباثية متعددة المصادر والمستويات؟
ازاى تحصل علاقات سوية بين الرجل والمرأة قائمة على الاحترام والندية والمساواة من أول الأب وبنته، والأخ وأخته، والزوج وزوجته، لغاية أى واحد بيشوف أى واحدة فى الشارع؟
عاوزين تحلوا؟ عاوزين تعالجوا؟
احنا محتاجين نعمل إعادة ضبط المصنع لعقليتنا المجتمعية والثقافية على فطرتها الحقيقية غير المشوهة..
محتاجين فرمتة أمخاخ أجيال كاملة ورثت وتورث عقد وكلاكيع نفسية من أبشع ما يكون..
محتاجين توعية نفسية تصل لكل بيت.. ولكل حجرة داخل كل بيت..
محتاجين تأهيل نفسي قبل الخطوبة وقبل الزواج وبعد الزواج وقبل الإنجاب وبعد الإنجاب وأثناء التربية.. واللا أقولك.. احنا محتاجين برنامج تأهيل نفسي يستمر مدى الحياة لمدة ثلاث أجيال قادمة على الأقل..
محتاجين جراحات نفسية عاجلة فى المدارس والجوامع والكنائس والنوادى وحتى على الكافيهات والقهاوى..
ومحتاجين طبعاً تطبيق حاسم لكل قانون وكل مادة فى قانون يحمى حقوق الطفل والمرأة والأسرة.. والرجل (الحقيقي) طبعا..
ومحتاجين جداً دور اعلامى توعوى نفسي قوى ومسئول على كل قناة ومنبر إعلامى..
المهم فى كل ده.. إننا محتاجينه فوراً وحتماً وبسرعة..
لأن السرطان مراحل..
ولو وصل لمرحلة متقدمة..
مش هايكون فيه علاج.. ولا حتى أمل فى علاج..
أعتقد إننا دلوقت واقفين على الخط الفاصل قبل المرحلة الأخيرة.. الخط المرسوم بوضوح بين اللى حصل فى المنصورة وبين اللى اتقال فى أغنية (علشان تبقى تقولى لأ).. فى تزامن كونى غريب أكيد ليه معنى..
وأعتقد إننا هانخطو فوق هذا الخط وندخل المرحلة النهائية بجد لو كانت ردود أفعالنا من عينة (دى ظواهر غريبة علينا.. واحنا شعب متدين بطبعه.. وشبابنا مايعملوش كده)..
وساعتها..كلنا هايجيلنا سالمونيلا..
وننقرض..
إلى غير رجعة..
د. محمد طــه