شيوخنا الأفاضل..
بعد التحية.. وبكل هدوء.. ومع التقدير والاحترام لجهودكم الدعوية الحثيثة..
أما بعد..
فى سياق شابة تم ذبحها فى الشارع.. هل ينفع نقول للبنات: “يهفهف عشان مين يشوفه يا بت؟ والمقمط علشان مين يشوفه يا بت؟ حياتك غالية عليكى.. اخرجى من بيتكم قفة.. لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود.. لييييه؟؟ هيشوفك اللى ريقه بيجرى ومامعهوش.. هايدبحك.. يالا خليه يدبحك”؟!
مش احنا كده بنرعب البنات أكتر ما هما مرعوبين، و بندى عذر لأى ذكر أهوج ماشى فى الشارع، انه يتحرش، ويغتصب، بل ويدبح، أى واحدة بشعرها أو لابسة بنطلون (على حد تعبيرك)..
وقت ما يكون دم بنت بريئة مازال بينزف على الرصيف.. ينفع -بعد كل كلمات الترحم الجميلة وتعبيرات العزاء الحارة- نختزل المشهد المأساوى ده فى نصيحة للشباب: (غض بصرك عن البنات، فمش هاتشوف واحدة تعجب بشكلها وتتجنن عليها وتبقى عايز تقتلها).. هو ده السبب يا شيخنا؟ بالبساطة دى يا مولانا؟
يعنى انت شايف ان الشباب دى كلها حيوانات هائجة مسعورة، اللى يمنعها من الانقضاض على فريستها وقتلها والتهامها، هو انهم يغمضوا عينيهم عنها؟ بس كده؟
طب ماهو برضه من جواه هايبقى بيحتقرها يا مولانا.. ماهو هايفضل بينه وبين نفسه شايفها عاهرة منحلة غير ملتزمة ولا محتشمة بتحاول تفتنه.. ما هو هايفضل عقله عمال يقوله دى عاصية.. وربما زانية.. اتحلت كده خلاص؟
ماينفعش نقوله مثلا انه لو شاف أنثى يحترمها؟ ماينفعش نفهمه ان جسم البنت ملكها.. وملكها وحدها؟ ماينفعش نعلمه احترام قرارات واختيارات غيره فى اللبس والحركة؟
أمام ضحية بريئة لحب التملك والسيطرة الذكورية المريضة.. وفى حضرة جريمة شنيعة ستحفر فى ذاكرة هذا المجتمع لعشرات الأجيال القادمة.. ذبح.. احنا أمام ذبح.. مناسب نقول انها “ماتت على معصية” لأنها غير محجبة؟ مناسب نقول اننا مشفقين عليها (لأنها هاتقابل ربنا وهى عاصية)؟ هو احنا حطينا نفسنا مكان ربنا؟ هو احنا بنحسب ونحكم بالنيابة عنه؟ هو حد يعرف الأولويات الالهية وقت ما تقابل رب كريم إيه؟ هل ده الوقت والسياق المناسب لاستحضار حكم الحجاب وفرضيته؟ مش ربنا ادانا حق الاختيار، واداها حق الاختيار.. فى كل شئ.. حتى الإيمان أو عدم الإيمان به هو نفسه؟ ماينفعش نحترم اختيارات غيرنا؟ ماينفعش مانفرضش على غيرنا رؤيتنا وتقديرنا؟
طبعاً حد هاينط فى دماغه دلوقت مثال غريب: قصدك نسيب بقى الشذوذ والحرية الجنسية؟ مانت كلامك علمانى يا دكتور.. وردى عليه هو: شوف دماغك راحت فين؟ وامتى؟ ده بيقولك حاجة عن عقلك؟
عند جريمة تحرش مهينة بفتاة فى وضح النهار.. ينفع نقول ان السبب (وليس المبرر على حد قول القائل) هو لبس البنات.. وان البنت زى العربية اللى لو اتسابت مفتوحة.. تتسرق.. ولما حد يعلق على هذا التشبيه المهين يترد عليه: شكلك سايب عربيتك مفتوحة! ينفع؟
طيب والأطفال ضحايا التحرش؟
والبنات اللى فى اللفة؟
ده فيه أولاد بيتم التحرش بيهم..
ولما يتقال ان التحرش موجود حتى بالبنات الملتزمات، يكون الرد (من الكبت الجنسي اللى بيشوفوا من اللى بيلبسوا لبس ملفت.. عمال يتشحن فبيدور على أى شئ يوجه طاقته الجسدية ليه)؟
مش احنا كده بنملأ عقول الشباب بهذه السببية المريضة.. وبنشحنهم بالغضب والكراهية ناحية كل من لا تلبس على مقاس ذكوريتهم وتمشى على قواعد هورموناتهم؟
طب وغير المسلمات يا شيخنا؟
مايمشوش فى الشارع خلاص؟
عند جريمة الاغتصاب الزواجى، ينفع نرد على واحدة بتقول انه من حقها تدافع عن نفسها، بان الراجل (ممكن يشوهك عادى ويحرمك من جمالك، ممكن يكتفك ويذلك، ممكن يستعبدك، هو الأقوى وطبيعى سيفرتكك”.. ده كلام؟!
مش ده عنف زواجى يا شيخنا؟ مش احنا كده بنخوف الستات من ناحية؟ ونحرض الرجالة/الذكور على العنف من ناحية؟
عند ضرب الزوج لزوجته.. ينفع نؤكد مراراً وتكراراً.. ان ده (مباح) مش مطلوب.. (حلال) مش حرام.. وانه (حق) للرجل بغرض تقويم زوجته.. والحفاظ على أسرته؟ بجد؟
طيب مين يقوّم الرجل يا مولانا؟ القاضى؟ المحكمة؟ تروح ترفع قضية تستنى فيها حكم؟ وهو من حقه ينفذ رؤيته وتقديره وحكمه فوراً فى التو واللحظة؟
موت نيرة المسكينة كشف نتيجة هذه الرسائل.. رفع الغطاء عن نوعية العقل الجمعى الذى تكونه وتقوم بتشكيله.. أظهر بوضوح هذا المرض العضال.. الذى أوشك أن يُجهز عليه.. وعلينا..
عارفين الرسايل ده بتكون عقل جمعى شكله إيه؟
بتشكل وعى عامل إزاى؟
عقل جمعى يختزل الإناث فى أجسادهن.. حتى وهن مذبوحات..
يترك دمائهن تسيل فى الشارع.. ويلتفت إلى شعورهن وصدورهن..
عقل جمعى يوافق ان يرى الرجل ثور هائج.. لو ماغميتش عينيه، يضرب ويقتل ويذبح..
لو ماعملتش حساب لهورموناته.. يتحرش ويغتصب..
عقل جمعى يُسكر نفسه عن ألم الصدمة.. بالهجوم على الضحية..
ينكر نواقصه وعيوبه ومواضع ضعفه.. بإسقاطها على من يراه أضعف..
يحتقر الإنسانية.. يكره الحب.. يبغض التراحم..
عقل جمعى يستخدم الفضيلة.. كعاهرة..
عقل جمعى ساهم في تكوينه أعمال فنية مليانة تنمر وإهانة وضرب وشتم للستات فى إطار الكوميديا والرومانسية.. اتكلمت عن ده قبل كده (لعدم المزايدة)..
وأغنيات وكليبات مش بتعمل أى حاجة غير انها تطلع الستات بتغرى الرجالة.. والرجالة بتتحرش بالستات.. اتكلمت عنها قبل كده برضه (لعدم المزايدة أيضاً)..
ورسائل مشوهة باسم الدين.. اللى ماينفعش يكون جزء من هذا التشويه بأى شكل وبأى حال.. لأنه أهم مصدر معرفى لهذا المجتمع.. أهم من أى حاجة تانية.. على الإطلاق..
حادث (نيرة) خط فاصل فى تاريخ هذا المجتمع..
بعده.. ليس مثل.. قبله..
أبداً.. أبداً..

د. محمــد طــه