الاحتياج للحضن هو واحد من أهم الاحتياجات الإنسانية وأقدمها أصولا وأقواها أثرًا على الإطلاق.. والاحتياج للحضن زيه زي كل احتياجاتنا الإنسانية.. بنتولد بيه ونعيش بيه وما نقدرش نكمل حياتنا بشكل صحي وسليم من غيره.. ونقصه أو عدم إشباعه مُمكن يؤدّي لكثير جدًّا من الأمراض أو الأعراض المرضية.. مشكلة الاحتياج للحضن إنه احتياج مزدوج.. يعني هو مش بس احتياج جسدي.. لا.. هو كمان احتياج نفسي.. وفي الحقيقة ده الأهم.. وده الأخطر..

أول علاقتك بالحضن كانت في اللحظة الأولى لاحتضان الأم لك وانت عمرك ساعات معدودة.. والحضن ده بالذات ليه وظايف مهمة جدًّا.. أبسطها إنه كان بيحسسك بوجودك.. بيحسسك إنك موجود.. وأحدث الأبحاث العلمية وجدت إن الحضن الأول ده مهم يكون فيه تلامس مباشر بين أكبر مساحة من جلد الأم وأكبر مساحة من جلد الطفل (اللي يستحسن يكون عريان تماما).. علشان فرق درجة حرارة جلد الأم عن درجة حرارة جلد الطفل بيكون أول حاجة تنبهه إنه مُختلف.. إنه مُتفرد.. وبالتالي.. إنه موجود..

طبعًا الاحتياج للحضن مش بيقف عند هنا.. بالعكس دي بس بتكون البداية.. الاحتياج للحضن بيستمر ويدوم ويعيش معانا طول العمر.. زيه زي الاحتياج للأكل والشرب.. وزيه زي الاحتياج للحب والاحتياج للقبول والاحتياج للاهتمام..

في المتوسط..علشان نعيش بالحد الأدنى من الصحة الجسدية والسلامة النفسية.. كل واحد فينا محتاج 4 أحضان في اليوم.. والأربعة دول لو بقوا 8 يبقى ده كفيل بدوام واستمرار و(صيانة) صحتنا الجسدية والنفسية.. لكن علشان اكتمال النمو الصحي وتمام النضج النفسي محتاجين 12 حضن يوميا.. صباح الفل!

طبعًا أنا مش عاوز أقلب الكلام لمحاضرة علمية أكاديمية وأقول إن الحضن بيحفز إفراز هرمونات السعادة.. وإنه بيقوي المناعة ويساعد على ارتخاء العضلات.. ويساعد على توازن الجهاز العصبي وإنه بيخفف التوتر.. لا.. مش كده بس.. أنا عاوز أقول اللي أعمق من كده..

الحضن.. دفا.. دفا جسدي.. ودفا نفسي.. وكأنك بتحط كمادات مية دافية على جراح حياتك.. وإصابات يومك.. وكدمات علاقاتك..

الحضن علاقة في حد ذاته.. فيها أخذ وفيها عطاء.. فيها رسايل رايحة جاية.. فيها شوفان وقبول واحترام واحتواء..

الحضن.. وجبة غذائية نفسية متكاملة.. فيها كل أنواع المقويات والفيتامينات والبروتينات (النفسية)..

الحضن.. هو البديل اليومي المُتاح لعودتك داخل الرحم مرة أخرى (ودي رغبة موجودة عندنا كلنا).. لما كان الأمان والدفا والاحتواء والشبع موجودين بكل بساطة وبدون عناء ولا مشقة ولا تعب.. وجود دائم لا ينقطع..

الحضن.. يعني أصلًا إنك موجود.. إنك تستاهل تكون موجود.. وإنك تستاهل تتحضن.. تستاهل هذه المنحة الربانية بين إيدين حد بتحبه..

الحضن أمان.. درع حماية.. سُترة واقية من رصاص الألم.. وصقيع الحياة..

الحضن فرحة.. وبهجة.. وطاقة متجددة في أوردة نفسك وشرايين روحك..

الحضن.. أمل..

الحضن عزاء.. وطبطبة.. وترياق ناجع لهموم الليالي.. وسموم الأيام..

الحضن قبول.. واهتمام.. وحب.. وسماح.. ورضا..

الحضن لغة.. والحضن له لغة..

الحضن.. شفرة المحبين..

نقول كمان..

الحضن احتياج إنساني لا غنىً عنه.. وأول مصدر لإشباع هذا الاحتياج الإنساني هو الأم (اللي حضنها بيدي الدفا والشبع والاحتواء والأمل).. والأب (اللي حضنه بيدي القوة والجدعنة والحماس والإصرار).. وبعدين الاخوات والأصدقاء والأحبة والأزواج وغيرهم..

كثير من المرضى النفسيين كل اللي ورا أعراضهم وأمراضهم النفسية العويصة.. احتياج لحضن.. فقط احتياج لحضن.. والاحتياج ده لم يتم إشباعه من الأم والأب أساسًا..

بعض اللي بيجيلهم اكتئاب.. بعض اللي بيجيلهم توتر وأرق.. وحتى بعض اللي بيحصلهم هلاوس سمعية وبصرية.. بيكون أحد الاحتياجات الأساسية غير المُشبعة عندهم.. هو الاحتياج للحضن..

ساعات اللي بتبيع نفسها.. أو بتدخل في علاقات مشوّهة ومختزلة.. بتعمل كده، علشان بس تتحضن.. حضن تحس فيه إنها موجودة..

ساعات اللي بيعمل أو بتعمل علاقات مثلية جنسية.. بيكون كل اللي بيدور عليه (على مستوى غير واعي) حضن من رجل يمثل ليه الأب.. أو حضن من أنثى تمثل ليها الأم..

ده كمان ساعات اللي بيدمن.. مش بيدور في مادته المخدرة إلا على اللي ما لقيهوش في حضن أبوه وأمه (الشبع والرضا).. بس ما لقاش ده مع بني آدمين.. ولاقاه في مادة بكماء صماء.. من كتر ما هو محتاج..

ما تحرموش نفسكم من الحضن..

ما تحرموش أبناءكم وبناتكم من الحضن..

ما تحرموش أصحابكم وحبايبكم من الحضن..

ما تحرموش أزواجكم وزوجاتكم من الحضن..

علشان ما تضطروش تدفعوا أو تدفَّعوا اللي حواليكم التمن..

يا اللا قوموا.. إلى أقرب حضن..

د. محمد طه