فيه ظاهرة نفسية شهيرة اسمها (الإسقاط).. بمعنى إن حد ينسب (إليك) ما يخصه (هو) من أفكار أو مشاعر أو رغبات أو سلوك أو غيره.. وكأنك (أنت) صاحب كل ده مش (هو).. فبدل ما يحس إنه بيكرهك.. يحس إنك بتكرهه.. بدل ما يشوف إنه مقصر.. يشوف إنك انت اللى مقصر.. وبدل ما يعترف بفشله.. يتهمك انت شخصيا بالفشل.. ظاهرة معروفة ليها أهداف غيرواعية كتيرة، أولها عدم تحمل المسئولية؛ مسئولية ما أفكر فيه أو أشعر بيه أو أفعله، والقاءها على الآخرين، عن طريق استبدال (أنا) ب(أنت) أو (هو) أو (هى) أو (هم)..
 
الاسقاط هو أحد الدفاعات النفسية البدائية جدا ضد صدمة مواجهة الحقيقة، وألم الشعور بالذنب، ومسئولية الاعتراف بالخطأ ومواجهته..
 
وزى ما الأفراد بيستخدموا دفاعات نفسية.. المجتمعات برضه بتستخدم دفاعات نفسية.. وفيه مجتمعات نقدر نقول إنها (متخصصة) فى الإسقاط.. فتقول (هى اللى لبسها مغرى).. بدلا من (احنا بنخترق خصوصيتها).. وتقول (الحكومة مش بتشتغل وتعمل اللى عليها).. بدلا من (احنا مش بنشتغل ونعمل اللى علينا).. وتقول (العالم كله عاوزنا نفشل).. بدلا من (علينا أن نعترف بفشلنا ونسعى للنجاح بجد).. وهكذا..
 
لغاية هنا.. وكل ده اسمه (إسقاط).. واضح ومباشر وسهل وبسيط..
 
تصوروا بقى لما مجموعة كبيرة من الناس تقوم بإسقاط كل ما بداخلها من مخاوف ومساوئ وعيوب وكراهية وكلاكيع وعقد نفسية على شخص واحد.. لمَّا مئات وآلاف وملايين الناس يتصيدوا خطأ لشخص ما.. ويقرروا يذبحوا هذا الشخص نفسياً ومعنوياً.. لما تُسَن كل السكاكين.. وتُجهَّز كل الأسلحة أمام خطأ بشرى وارد.. أو زلة لسان غير مقصودة.. لما يصبح الكل أصحاب حق وفضيلة.. وواحد فقط يحمل كل الأوزار.. ويوصم بكل العيوب.. ويسقط فجأة فى الهاوية..
 
حتى الاعتذار لا يُقبل.. حتى المراجعة غير مسموح بها.. حتى الأخذ والعطاء أبوابهم مغلقة..
 
هنا بتتحول ظاهرة (الإسقاط) إلى ظاهرة أعقد وأخطر اسمها (كبش الفداء scapegoating).. بمعنى تسليط الضوء بشكل حاد ومركز على أحد بعينه وإلقاء كل ما نرفض رؤيته فى أنفسنا عليه.. كل ما نرفض رؤيته فى أنفسنا..
 
ويتحول الجميع إلى ملائكة أطهار.. أمام شخص قرروا جميعاً أنه شيطان رجيم.. يتم رجمه فعلا بلا أى رحمة..
 
طبعا الشخص اللى بيكون (كبش فداء scapegoat) بيكون أحياناً فيه مشاكل فعلاً.. وغالباً بيقوم بعمل حاجات تستدعى من الآخرين الغضب أو القسوة أو الأذى.. بس دا لا يعنى أبداً ذبحه ثم سلخه ثم الإجهاز عليه..
 
فى علم المجموعات والمجتمعات والثقافات.. أنا باعتبر دى هى الظاهرة الأصعب والأخطر على الإطلاق.. دى أكتر حاجة تخوف بجد..
 
بافتكر جملة قالهالى أستاذى الانجليزى المحلل النفسي العظيم روبرت هنشلوود وكتبها فى مقدمة أحد كتبه:
(لا يوجد أخطر من جمع يحركه الغضب There is nothing as dangerous as an angry mob)..
 
د. محمد طه