حصلت حاجة مفزعة جداً بالنسبة لى من حوالى أسبوعين.. إحدى عميلاتى كانت بتقرى كتاب عن العلاقات.. وقامت بتنفيذ إحدى النصائح الموجودة فيه كما هى، وده عملها -بكل أسف- مشكلة كبيرة جداً فى حياتها الزوجية.. مش عارفة تحلها لغاية دلوقت.
بصيت فى الكتاب.. لقيته كله عبارة عن انطباعات شخصية لكاتبه/كاتبته.. وتفسيرات مبنية على خبرته/خبرتها الحياتية فقط.. ومجموعة هائلة من التوجيهات والنصائح اللى مالهاش أى أساس ولا مبرر غير تجربته/تجربتها فقط.. ولا يمكن تعميمها بأى حال من الأحوال..
ده خلانى أبص بتمعن أكتر فى مجموعة أخرى من الكتب الموجودة على الساحة حالياً، واللى يمكن تصنيفها تحت بند “العلاقات”. وفى الحقيقة.. زى ما لقيت حاجات طيبة ومهنية ومحترمة جداً.. لقيت بلاوى زرقا، قد يصل بعضها إلى حد الجرائم الإنسانية..
يعنى إيه حد يعمم تجربته الشخصية ويطلب من ناس لم يمروا بها إنهم يغمّوا عينيهم ويمشوا وراه؟
إزاى أتصور إن تجربتى الحياتية هى المقياس اللى المفروض الناس العادية تقيس بيه أو عليه؟
ليه أخلى نفسي الخبير والمرجع والستاندارد بتاع قصص الحب والجواز والطلاق وغيره..
إزاى حد يدى نفسه الحق ده؟ منين يجيب الجرأة دى؟ إيه الافترا ده؟ ويا سلام لو فيه معلومتين علميتين فى النص.. أو استشهاد بجملة من العالم الكبير فلان.. أو الطبيب المشهور علان..
طبعاً المسئولية فى المصيبة دى توزع على أطراف كتير.. من أول دور النشر اللى عاوزة تبيع وتكسب بالتجارة فى (نفوس) الناس.. مروراً بالكاتب اللى استسهل يستخدم أدوات جراحية نفسية فى غاية الدقة مع ناس عاديين لمجرد إنه خضع لجراحة علاقاتية نفسية شخصية فى يوم من الأيام، ولم ينوه بوضوح عن ذلك.. وانتهاء بالقارئ.. اللى محتاج يعرف الآتى لما يمسك فى إيده أى كتاب بشكل عام، وعن العلاقات بشكل خاص:
– مين اللى كاتب الكتاب؟ وإيه خبرته فى اللى هو كاتبه؟
– هل الكتاب مبنى على حقائق ونظريات علمية واللا هو نتاج تجربة شخصية؟
– هل يمكن تطبيق أو تعميم اللى مكتوب فى الكتاب على كل القراء بغض النظر عن اختلافاتهم الفردية؟
– هل نجاح الكاتب فى اجتياز تجربته -بطريقته- والتعلم منها، معناه بالضرورة إنى هانجح فى تجربتى بتطبيق نفس الفهم ونفس الطريقة؟
– فين مسئوليتى الشخصية أنا عن حياتى أنا؟
نقول كمان..
بالرغم من إن كل حد من حقه يكتب.. لكن..
مش كل حد كتب فى موضوع ما، معناه إنه خبير فى هذا الموضوع.. خاصة العلاقات والإنسانيات.. كل حد بيكتب بلسان نفسه، وعن تجربته، ومن واقع حياته. وأى تعميم فى التجارب الحياتية الشخصية هو ظلم بيّن لجميع الأطراف..
فيه فرق كبير جداً بين العلم وبين الخبرة الشخصية.. العلم قابل للتطبيق فى (معظم) الأحوال.. انما الخبرات الشخصية يجب فقط (تفصيلها) بحذر فى كل حالة على حدة.
نفوس الناس مش لعبة.. نفوس الناس لها حرمة.. وقداسة.. وهيبة.. لا تدخلوها من أبوابها الخلفية.. أبواب الجهل والكبر وحب الظهور وأوهام الحكمة والتحكم والتلاعب بعقول البشر..
ده طبعاً غير بوستات الفيسبوك اللى مليانة مواعظ ونصايح فى منتهى الشياكة ومنتهى التدمير فى نفس الوقت.. والمحاضرات والندوات اللى فى قمة الحلاوة وقمة العك فى نفس اللحظة.. واللقاءات والورش والجلسات الخاصة والعامة اللى تتخطى كل حدود المهنية.. وكل أعراف التخصص.. وكل منطق المعرفة الحقيقية..
أذكركم وأذكر نفسي بأول مقطع موجود فى كل ما كتبت ونشرت حتى الآن.. رغم كل ما وراءه من علم وبحث وجهد فى كل صفحة وكل سطر وكل كلمة:
“كُلُّ ما هو مكتوبٌ في هذا الكتابِ هو اجتهاداتٌ وتحليلاتٌ ورُؤى شخصية بحتة، مبنيةٌ على تجربتي الحياتيَّة الخاصة (كإنسان)، وعلى خبرتي العلميَّة والتعليميَّة والعلاجيَّة المتواضعة (كطبيبٍ نفسي وعضو هيئة تدريس جامعي).. كلُّ كلمةٍ هنا تحتملُ الخطأ والصَّواب.. وتخضعُ للنقد والتفنيد.. ويُؤخذ منها ويُرد عليها.. وليس لها أيُّ هدفٍ سوى نشر التوعية النفسيَّة باستخدام لغةٍ سهلةٍ ومفرداتٍ بسيطةٍ، اجتهدتُ في فهمها واستيعابها وتوصيلها قدْر المُستطاع”.