زى ما كتبت قبل كده.. فيه حاجة اسمها وسائل دفاعية نفسية.. بيستخدمها الناس بشكل لاشعورى علشان مايشوفوش الواقع.. ومايواجهوش الحقيقة.. ويخلوا صراعاتهم النفسية المحتدمة.. واحساسهم الشديد أو الصادم بالفشل أو التقصير أو الذنب.. واحتمالات الألم والشعور بالضعف والعجز.. يخلوا ده كله بعيد عن عينيهم.. تحت السطح.. فى عمق الكهف النفسي المظلم اللى اسمه (العقل الباطن).. وده شئ طبيعى وصحى ومستحب (بس يبقى فى وقته المناسب وبجرعته المناسبة)..
 
وعرف العلم حديثاً من دراسات وتحليلات كتير إن المجتمعات والثقافات والشعوب بتستخدم وسائل دفاعية نفسية زيها زى الأفراد بالظبط.. فيما يسمى بالعقل الباطن (المجتمعى)..
 
الإسقاط أحد أهم الوسائل دى.. واتكلمت عنه فى بوست سابق (السقوط والإسقاط)..
 
فيه بقى وسيلة دفاعية ألطف وأظرف وأكثر انتشاراً فى مجتمعاتنا العريقة.. اسمها (الإنكار) Denial.. يعنى الحاجة تبقى قدام عنينا.. ونقول إنها مش موجودة.. تبقى باينة زى الشمس لكل الناس.. إلا لصاحبها.. اللى بينكر وجودها تماماً.. ويقول عليها دى مش تبعى.. أنا مش كده.. ماحصلش.. بتكبروا المواضيع ليه.. إحنا كويسين أهو..
 
المثل الأشهر فى استخدام (الإنكار) على مستوى الأفراد هو مريض القلب اللى مش بيبطل شرب سجاير وكأنه سليم مية فى المية.. أو الطالب اللى اسمه نازل فى كشوف الراسبين وهو شايف كل الأسامى ما عدا اسمه..
 
أما على مستوى المجتمعات.. فتجاهل الحقائق الواضحة رؤى العين.. وإنكار المسئولية عن أى خطأ أو مشكلة مجتمعية عمال على بطال.. واحنا الدنيا عندنا آخر تمام.. واحنا أحسن ناس على وجه الأرض.. وحلوين وطيبين وزى الفل..
 
وطبعاً قبل كل دول.. هى إننا شعوب وثقافات تتحدث عن المبادئ والأخلاق والقيم.. وفى نفس الوقت نحتل المراكز الأولى على العالم فى الفهلوة والتلاعب والتحرش الجنسي والبحث عن كلمة (سكس) على جوجل..
 
نشوف ده بعنينا بقى؟ لا.. ازاى..
نحطه تحت الميكروسكوب وندرسه ونشوف أسبابه؟ لا برضه.. ده كلام؟
طيب ندور على مسئوليتنا عن الوصول لهذا الكم من البلاوى المجتمعية وندور على حلول وطرق للتغيير؟ مستحيل طبعا.. لأننا كده بنعترف بوجود اللى احنا مش عاوزين نعترف بوجوده..
 
أمال نعمل إيه؟
 
(ننكره).. ده ماحصلش.. احنا بتوع القيم.. احنا بتوع الأخلاق.. احنا شعب متدين بطبعه.. ونحط كمان شوية (إسقاط) من قبيل: هما عاوزين يبوظوا أخلاق ولادنا.. هما بيتآمروا على قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا.. هما بيشوهوا صورتنا..
بس يا سيدى..
 
ونحفظ ماء وجهنا أمام أنفسنا.. وندفن ررؤسنا فى الرمل.. وننام مرتاحى الضمير..
 
احنا بنتخض من الحقيقية..
بنترعب من أى مراية تتحط فجأة قدام وشوشنا..
بنخاف من أى كشاف نور قوى يتم تسليطه فجأة على واقعنا..
بنتضاءل أمام أى مجهر عالى الدقة يُوَجّه (بعض) عدساته ناحيتنا..
 
ثم نمارس بكل عناد وإصرار نفس رد الفعل المعتاد.. الإنكار.. والإسقاط.. اللى عمرهم ما كانوا حل.. واللى كل ما نستخدمهم أكتر.. كل ما يعنى ان اللى بننكره موجود جوانا أكتر.. واننا خايفين منه (وأحياناً عاوزينه وهانموت عليه) أكتر وأكتر..
 
احنا محتاجين نرى الموجود.. ونتألم لهذه الرؤية.. ثم نكتشف مسئوليتنا عنها.. ثم نسعى للتغيير.. ونتغير بجد.. تغير حقيقي وعميق..
 
الظريف بقى ان كل الوسائل الدفاعية النفسية المعروفة كوم.. والانكار والاسقاط دول كوم تانى.. وليهم تصنيف لوحدهم.. وتقسيمة خاصة بيهم.. اسمهم (الوسائل الدفاعية الذهانية).. علشان معظم اللى بيستخدمهم بهذا الشكل الزائد عن الطبيعى والخارج عن المألوف هم الذهانيين (الفصاميين ومرضى الضلالات والهلاوس)..
 
ومعروف فى علم الأمراض النفسية ان الفصامى هو أكتر شخص منفصل عن الواقع تماماً.. تماماً..
 
تمااااااماً..
 
د. محمد طه