أكبر ظلم مُمكن تظلمه لحد هو إنك ما تشوفهوش.. آه ما تشوفهوش.. بمعنى إنك تشوف فقط الصورة اللي انت راسمهاله في مُخك.. واللي مُمكن تكون كوّنتها عنه من موقف قديم.. أو تفاعل مرّ عليه الزمن.. من سنة.. سنتين.. عشرة.. أو حتى امبارح.. وأخدت عنه تصور.. ونسجت عنه فكرة.. وثبتها في دماغك عنه.. وبطلت تشوفه هو.. وشوفت اللي في دماغك.. وبس..

يعني اللي قدامك يتشال ويتهبد ويتحرك ويتغير.. سواء للأحسن أو للأسوأ.. وانت ما زلت شايفه زي ما هو.. يعني يعدى عليه الوقت.. وتمر عليه الساعات.. والأيام.. والليالي.. والسنين.. وانت مُصر توقف الزمن عند لحظة قديمة.. وموقف كان ليه ظروفه وتفاصيله.. وبني آدم مُمكن يكون غير البني آدم اللي قدامك دلوقت أصلًا..

علماء مدرسة الجيشتالت في العلاج النفسي بيقولوا إن الواحد لو باصص لشجرة.. عينيه بتاخد ليها أول لقطة وتخزنها في الذاكرة.. وتبطل تستقبل منها أي صورة تانية.. لغاية ما يهب شوية رياح يحركوا ورقها.. ويهزوا أغصانها.. فعنيك تفوق.. وتبدأ تستقبل الصورة والصوت من جديد.. وقامت كل مدرسة الجيشتالت على الاستقبال وقوانينه وكيفية تجديده.. وإزاي استقبالاتنا المُبكرة لمواقف في الطفولة، وتثبيتها وعدم مراجعتها، وصلت بينا لبعض الأعراض والأمراض النفسية..

إحنا بنحب الراحة.. مُدربين على الاستسهال.. مش عاوزين نبذل مجهود نشوف بيه أي حاجة جديدة مُمكن تلخبط تصوراتنا القديمة.. أو تهد بُنيان هُلامي بنيناه على مدار سنين أو حتى أيام.. لأن ده معناه إني أنا كمان أتغير طالما اللي قدامي بيتغير.. وأتحرك زي اللي قدامي ما بيتحرك.. ويبقى عندي استعداد أراجع نفسي في كل تصوراتي وأفكاري ومُعتقداتي، وأكتشف إني غلط.. وأصحح نفسي.. وأجدد استقبالي، وأجدده تاني.. وتالت.. كل يوم.. يااااااااه.. لا خلينا كده أحسن.. ثابتين ومثبتين الناس والأماكن والأشياء كما هي.. كل حاجة زي ما هي، كما كانت كما استقبلناها أول مرّة، الكويس كويس جدًّا.. والسيئ في منتهى السوء.. والظالم ما زال ظالمًا.. والجميل ما زال جميلًا.. والقبيح لم يتغير قبحه.. ونعيش ونعيش اللي حوالينا في قوالب مصمتة.. وتماثيل جامدة.. لا حراك ولا حياة ولا تغير..

أكبر مشكلة في ده إنه ضد الطبيعة.. ضد الكون.. ضد قانون الخلائق.. ضد البشرية نفسها.. الكون بيتغيّر كل لحظة.. الأرض لا تكُف عن الدوران.. مثلها مثل كل الكواكب.. النجوم.. حتى المجرات في حركة دائمة.. وتغيير مُستمر.. كل لحظة موقع جديد.. وإحداثيات مُختلفة.. لا تتكرر.. أبدًا.. ده غير الليل والنهار.. وفصول السنة.. ومواسم الزرع والحصاد.. وغيرها وغيرها..

حتى جسمك.. خلايا تموت وخلايا تتجدد.. دماء تتدفق جيئةً وذهابًا في أوردتك وشرايينك.. نبضات لا تكف.. أنفاس تتلاحق.. هضم وتمثيل وإخراج.. ودورات حياة كاملة في كل خلية من خلاياك..

الحركة هي الأصل.. والتغيير هو الطبيعة.. نيجي إحنا بقى نثبّت نفسنا، ونثبّت غيرنا عند موقف.. أو تفاعل.. أو كلمة.. أو نظرة.. أو غلطة.. أو مُوطن ضعف.. أو لحظة فشل.. أو حتى لحظة نجاح.. ونحرم نفسنا ونحرم غيرنا من فرصة جديدة.. ورؤية مُختلفة.. ونبقى ممّن “لهم  قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها”..

عملت ده قبل كده؟ ما فيش مشكلة.. ما هو انت قبل قراية الكلام ده غير بعد قراية الكلام.. وأنا برضه… قبل الكتابة غير بعد الكتابة..

عارف برامج الكمبيوتر اللي بينزلها كل شوية  (أب – ديت) update (تحديث).. انت محتاج تعمل كل شوية تحديث لرؤيتك لنفسك وللآخرين.. هاتكتشف وتشوف حاجات حلوة أوي.. ما كنتش شايفها قبل كده..

عارف الكتاب الناجح اللي بينزل منه طبعة أولى.. وتانية.. وتالتة.. انت محتاج كل دقيقة تعمل طبعة جديدة للناس ولنفسك ولكل حاجة حواليك.. تكون أنقى، وأحدث، وأوسع.. وأشمل.. وأرحب.. وأوضح..

بلاش تقف ولا توقف غيرك… لأنك كده بتحرق نفسك وبتحرقه.. وبتفقد، وبتخليه يفقد أي أمل في أي تغيير..

ياللا بقى نعمل (أب – ديت) لبعض..

د. محمد طه