طبعاً هما سموها شخصية حدية (أو بين-بينية) علشان أصحابها بيكونوا على (الحدود) بين أكتر من مرض من الأمراض النفسية.. وكل شوية ممكن يروحوا فى ناحية ويرجعوا تانى.. بيتأرجحوا بين العصاب (التوتر والقلق والاكتئاب)، والذهان (تفكك الشخصية لدرجة خلق واقع بديل فيه ضلالات وهلاوس).. ساعات يروحوا ناحية الأعراض النفس-جسدية.. وساعات تانية تظهر عندهم أعراض تحولية.. أو جنسية.. أو إدمانية.. الانتحار عندهم زى مضغ اللبان.. سهل جداً.. سريع جداً.. يحصل فى أى وقت.. مزاجهم بيتحرك بين أقصى اليمين إلى أقصى الشمال فى شكل تقلبات مزاجية حادة وعنيفة (علشان كده بيسموه أيضا اضطراب تنظيم المشاعر).. علاقاتهم زى ماتكون ماشية على الحبل.. خطوة ورا وخطوة قدام.. مرة فوق ومرة تحت.. عالمهم الداخلى دايماً على صفيح ساخن.. زى حبات الذرة الهشة اللى بتتقافز فوق نار موقدة.. طول الوقت على الحدود.. فى أعراضهم.. فى علاقاتهم.. فى حياتهم كلها.. وطبعاً فيه أعراض تانية هاوصفها فى وقتها.. أهمها إن نفسيتهم من جوه عاملة زى اللى (جلده مقلوب).. الهوا الطاير ممكن يجرحه.. ويؤلمه.. ويخليه ينزف..
من أول وأهم أعراض اضطراب الشخصية الحدية هو خوفهم الشديد جدا من ان اللى هما معاه فى علاقة يسيبهم ويمشى.. يهجر.. يبعد.. كلمة (علاقة) دى تسرى على حب..صداقة.. أى حد قريب..
خوف يصل إلى حد الرعب.. خوف كبير وعميق بشكل يتخطى قدرة الشخص على تحمله والتعامل معاه.. خوف متصاعد ومتزايد مع كل فكرة بُعد.. أو نية سفر.. أو مؤشرات فراق..
عارفين إيه اللى ورا هذا الشكل البشع من أشكال الخوف.. اللى وراه هو خوف تانى.. خوف أفظع وأبشع من نتيجة هذا الهجر والبُعد.. خوف من الوحدة.. نعم.. الوحدة.. ودى البعبع الحقيقي بتاع أى واحدة مريضة باضطراب الشخصية الحدية (نسبة الإناث إلى الذكور 3 إلى 1).. الوحش الكاسر اللى مايستحملوش مجرد التفكير فيه.. يقدروا يستحملوا أى حاجة إلا الوحدة.. يقدروا يواجهوا أى ظروف قاسية.. إلا الوحدة.. إلا الوحدة..
ليه؟
كل واحد فينا موجود جواه نسخ حية من الناس اللى بيحبهم (والناس اللى مش بيحبهم).. نسخ صوت وصورة بنقدر نستدعيها وقت اللزوم علشان نتونس بيها ساعات.. أو نتخانق معاها ساعات تانية.. إلا مرضى الشخصية الحدية.. مافيش جواهم حد.. مافيش جواهم حاجة.. فراغ كامل.. صمت مطبق.. صوت النملة فيه بيعمل زلزال.. وده علشان نموهم النفسي وقف -نتيجة حاجات كتير- قبل المرحلة النفسية اللى بنقدر فيها نثبت وجود الآخرين جوانا (بيسموها object constancy).. فأصبح عالمهم الداخلى عامل زى بيت الأشباح.. مكان مظلم.. فاضى.. فيه آثار قديمة.. وصدى صوت.. وخيالات وشوش غير واضحة..
طيب دول لما يتهجروا.. مين هايونسهم من جواهم.. محدش.. لما يتسابوا.. مين هايخفف ألمهم المزمن ولو مؤقتاً.. لما يبقوا لوحدهم.. مين هايملا فراغهم الداخلى.. محدش.. علشان كده الهجر والبعد بالنسبة لهم تهديد.. والوحدة بالنسبة لهم جهنم..
بس كده؟
لا طبعاً.. ده فيه أكتر..
هما كمان بيخافوا من الهجر وما يترتب عليه من وحدة لأنهم فى الحقيقة داقوا ده قبل كده.. واللى اتلسع من الشوربة بينفخ فى الزبادى..
كتير من الأبحاث اللى اتعملت على مرضى الشخصية الحدية وجدت إن نسبة كبيرة جداً منهم اتعرضوا فى صغرهم لهجر نفسي أو جسدى لأحد أو كلا الوالدين.. أب مسافر (أو بعيد نفسياً فى صورة قسوة شديدة أو سلبية شديدة).. أُم غير متاحة نفسياً أو جسدياً (بنفس المعنى).. اتعرضوا للتخلى فى أوقات صعبة.. اتعرضوا للبُعد فى عز الاحتياج.. يعنى داقوا السم.. واتأذوا منه.. يبقى ليهم حق يفضلوا خايفين منه طول عمرهم.. ده غير التعرض لسوء استغلال Abuse- بس ده ليه بوست لوحده..
تمام كده؟
لا لسه..
إيه تانى؟
هما كمان وصلهم فى صغرهم من كل اللى فات ده رسالة قاسية جدا.. اسمها (الرفض).. البُعد رفض لعمل علاقة معاهم.. القسوة رفض للاعتراف بإنسانيتهم.. التخلى رفض لوجودهم كله.. رفض فى رفض فى رفض.. تصور بقى بعد كل ده.. مجرد فكرة سفر حد بتحبه هايكون معناها إيه؟ مجرد خطوة واحدة لورا فى أى علاقة هاتعمل فيها إيه؟ طيب لو نهاية علاقة؟ يانهار أبيض..
طبعا كل ده كوم.. واللى ممكن يعملوا أصحاب الشخصية دى علشان يتجنبوا الهجر والوحدة كوم تانى.. ممكن تدفع (أو يدفع) أى تمن.. حتى لو كان من نفسها وجسمها.. ممكن تخرج من علاقة تدخل فى علاقة تانى يوم.. ممكن تعمل علاقتين فى نفس الوقت.. أو -وده اللى يجنن- ممكن تبدأ هى بالبعد والهجر (أو التطفيش) قبل الطرف التانى.. علشان تحمى نفسها من حدوث ده فجأة منه.. وتوفر على نفسها الصدمة.. واهو توجع نفسها قبل ماحد يوجعها.. ووقوع البلا ولا انتظاره..
وعلشان كده بتطلع عين اللى بتحبه من خلال اختبارات يومية قاسية جدا لمدى تمسكه بيها.. والتأكد بشكل متكرر من عدم وجود أى نية للبعد والتخلى عنها..
الحل إيه بقى؟ علاج طبعا (جزء منه دوائى وجزء نفسي).. وبيجيب نتايج كويسة جداً.. بس لسه ماوصلناش للنقطة دى.. ماتستعجلوش..
إحنا يادوب شاورنا من بعيد..
على الخوف من الهجر..
اللى تحته رعب من الوحدة..
اللى وراها تاريخ من التخلى..
وطبقات من الرفض..
د. محمد طه
ملحوظة هامة: ماينفعش حد يشخص نفسه من خلال الكلام ده (أو أى كلام غيره).. التشخيص يحتاج وجود خصائص ومواصفات محددة خلال فترة زمنية معينة، وليه قياسات نفسية معروفة، ومايقومش بالتشخيص غير طبيب نفسي موثوق. وهو الوحيد الذى يحدد كيفية العلاج.