ظبطتي نفسك قبل كده وإنتي بتعملي نفس اللي مامتك كانت بتعمله معاكي وإنتي صغيرة؟

كشفت نفسك في أي مرة وإنت في أحد المواقف أو التصرفات، نسخة طبق الأصل من حد غيرك؟ أبوك.. أخوك.. حد من أصحابك..

جربت الحكاية دي قبل كده؟

كشفت نفسك مرة وإنت حد تاني؟

قفشت نفسك وإنت بتكرر نفس اللي اتعمل معاك، بس مع غيرك؟

كام مرة كنت (إنت) النهاردة؟

بص كده في المراية..

هو إنت مين دلوقت؟

إحنا ساعات لما بنحب حد، خاصة من المشاهير وإحنا في سن الشباب.. بنلبس زيه، نسرح نفس تسريحته، وهكذا.. بنعمل ده بشكل واعي وواضح.. وده اسمه (تقليد)..

لكن ساعات بيوصل بينا الحب والشغف درجة كبيرة جدًّا، مع عدم قدرتنا على الوصول للي بنحبه، أو عدم استطاعتنا إننا نكون زيه.. وقتها ممكن نعمل حاجة تانية غير (التقليد) اسمها (تقمص).. وده بيعمله عقلنا الباطن بدون وعي كامل مننا.. فنتكلم زي الحد ده، نمشي زيه، نفكر زيه، نستقبل زيه، نفهم زيه، نحس زيه، باختصار.. نتحول لنسخة منه.. نبقى (هو)..

الحكاية دي مهمة جدًّا في بعض الأوقات.. مهم إن الولد في سن معين يتقمص أبوه علشان يحس إنه بينتمي لعالم الرجال، ويتكون جواه الضمير الأبوي اللي   هايستمر معاه طول حياته، وكمان مهم إن البنت في إحدى مراحل طفولتها تتقمص أمها علشان تحس إنها تنتمي لعالم الإناث ويتكون برضه جواها الضمير الإنساني اللي هاتعيش بيه..

ساعات بنتقمص الناس اللي بنحبهم علشان نحس إننا قريبين منهم وكل حتة فينا تتونس بيهم.. ساعات بنتقمص أساتذتنا وأصحابنا وإخواتنا وجيرانا.. وغيرهم وغيرهم.. التقمص هنا بيكون مطلوب كشكل من أشكال القرب أو التعلم أو النمو النفسي.. باتقمص حد، أقرب منه أو تونس بيه أو أتعلم منه حاجة، وبعدين خلاص.. زي الجاكيت كده اللي ممكن ألبسه في وقت معين وأقلعه بعدها بشوية وألبس غيره وهكذا..

بس الغريب والمثير للدهشة.. هو إننا ساعات بنتقمص الناس اللي  بنكرههم.. الناس اللي آذونا.. الناس اللي اعتدوا علينا وشوهونا وتركوا فينا آثار سيئة.. ده اسمه (تقمص المعتدي).. أو (التوحد مع المعتدي).. Identification with the Aggressor

وهنا فصل الخطاب.. ومحور الكلام.. ولب الرسالة..

شوف شوية أمثلة..

طالب في لجنة امتحان شفهي.. والدكتور كان غلس وقاسي وظالم.. وطلع عين الولد وبهدله.. وكان هايسقطه.. تلف الأيام والسنين، ويبقى الطالب ده في نفس مكان الدكتور وبيمتحن طالب عنده.. تلاقيه بدل ما يكون لطيف ومنصف وعادل معاه.. يتحول بقدرة قادر إلى نسخة طبق الأصل من الدكتور اللي ظلمه.. وساعات يكون أقسى وأظلم منه..

طفل اتعرض لتربية صعبة وطريقة قاسية في التعامل من أبوه وأمه.. يجي لما يخلف ويكون عنده أولاد.. يتعامل معاهم في كتير من المواقف بنفس القسوة اللي اتعرض ليها.. وكأنه بيتقمص أبوه أو أمه.. بدلا من عمل العكس..

حد اتعرض لقهر وعنف وذل.. أول ما تلف الأيام وتدور دورتها، ويصبح في مكان من قهره وظلمه، يتحول إلى نسخة منه.. وربما أسوأ..

إحنا ساعات بنتقمص اللي اعتدى علينا علشان معرفناش ناخد حقنا منه.. أو علشان ما نحسش بالضعف والعجز قدام نفسنا.. أو علشان في نفس الوقت اللي كنا فيه بنكرهه.. كنا برضه بنحبه..

بص تاني كده في المراية.. واسأل نفسك كمان مرة..

كام مرة اتعاملت مع حد بنفس طريقة تعامل أبوك معاك؟

في كام موقف لقيتي نفسك بتكرري مع بنتك أو صاحبتك نفس اللي كانت والدتك بتعمله معاكي؟

إمتى آخر مرة تقمصت حد غيرك ولعبت دوره؟

إمتى آخر مرة كنت مش إنت؟ كنت اللي ظلمك واعتدى عليك؟

في الحقيقة أكبر ظلم ممكن تظلمه لنفسك هو إنك تكون نسخة من اللي آذاك..

وأكبر انتصار عليك من حد ظلمك.. هو إنه يحولك لصورة منه..

مش بس كده..

ده كمان أكبر أذى ممكن يؤذيهولك حد بتحبه.. هو برضه إنه يخليك نسخة منه.. لأنه هايمسح شخصيتك فيه، ويدوّب ملامحك جواه، ويحرمك من اختلافك وتفردك.. هايخليك زي الوصف الموجود في أغنية أصالة (أنا إنتى).. وصف شكله جميل من بره، لكنه مليان تشويه وأذى من جوه (وباقي الأغنية بيؤكد كده):

أنا حبك.. أنا صاحبك.. أنا عقلك وتفكيره..

ما أنا منك.. وروح قلبك.. وأخوكي لما تحكيله..

أنا فرحك.. ألم تعبك..

أنا في كل اللي بتحسيه حاسس بيكي..

ما أنا إنتي.. ما أنا إنتي..

ما فيش تشويه أكتر من إنك تلاقي نفسك بتمارس شخصية حد تاني.. مهما كان الحد ده..

بص في المراية مرة أخيرة..

واوعد نفسك..

إنك هاتفضل طول الوقت نفسك..

وإنك مش هاتكون في أي وقت أي حد تاني غيرك..

أي حد..

 

د. محمد طه