حضرتك بتشتغل إيه؟
- دكتور
- طيب اقلع..!
- أقلع إيه بالظبط؟
- اقلع وظيفتك!
- إزاي يعني؟
- يعني تخيّل إنك نمت وصحيت لقيت نفسك في إجازة قسرية من مهنة الطب.. أو إنك استقلت منها.. أو حصل مشكلة في مكان شغلك واترفدت.. إيه اللي هايفضل منك؟
- وحضرتك؟
- طالب في كلية آداب
- طيب اقلع..!
- أقلع إيه أنا كمان؟
- تصور إنك فجأة لقيت الكلية قفلت أو لغوا الدراسة في كليات الآداب أو.. أو..
تيجي تجرّب الحكاية دي.. تيجي تتخيل معايا إن وظيفتك اختفت أو إنك تخليت عنها.. تفتكر إيه اللي هايتبقى؟
إيه الطبقة اللي تحتها؟
عيلتك؟
آه.. هيّ عيلتك..
مراتك وأولادك..
أو أبوك وأمك وإخواتك..
طيب تصوّر بقى إنهم فجأة اختفوا هما كمان.. صحيت من النوم ما لقيتهومش.. سافروا.. هاجروا.. ما بقوش موجودين معاك ولا حواليك! إيه اللي هايتبقى؟ إيه الطبقة اللي تحتهم؟
أصحابك.. جيرانك.. زملاء الشغل..
طيب دول كمان اختفوا وما بقوش موجودين.. فاضل إيه تاني؟
فاضل إنت..
أيون..
إنت.. زي ما إنت..
إنت لوحدك.. وبس..
- طيب إنت مين بقى؟ تيجي تعرف نفسك..
- أحمد.. حسن.. نادين.. مها.. أي اسم؟
- بس ده مش إنت.. ده اسمك.. مش بيعبر عن أي حاجة يعني..
- أنا دكتور.. مهندس.. مدرس.. طالب..
- ما إحنا اتفقنا أن دول مش موجودين خلاص.. وبعدين دي مجرد وظيفة.. دي مش إنت.. دي وظيفتك..
- أنا طويل وعريض وأبيضاني شوية..
- يا باشا ده شكلك.. ده مش إنت خالص..
- أنا ابن فلان وعلان وترتان..
- ما هو برضه دول خلاص.. بح.. حتى لو لسه موجودين.. دول مش إنت برضه..
- أنا.. أنا.. مش عارف..
طيب خد نفسك بالراحة كده.. واقرا اللي جاي بهدوء..
هو إيه اللي بيعرفنا؟ إيه اللي بيحدد وجودنا ويوصفه ويديله معنى؟ إيه اللي بيقول أنا مين وإنت مين؟
ما أعتقدش إن فيه إجابة واحدة واضحة وقاطعة للسؤال ده..
بس من وجهة نظري (الشخصية البحتة) إحنا موجودين في الأثر اللي بنؤثره في غيرنا.. في البصمة اللي بنتركها ورانا في الأماكن والأزمنة..
أنا ممكن أحس نفسي في كلماتي اللي بتوصلك دلوقت.. الكلمات اللي بتحركك وتحررك وتخليك تشوف حاجات جديدة ما كنتش شايفها قبل كده..
إنت ممكن تحس بوجودك في عيون صاحبك اللي بيفرح أول ما بيشوفك.. لأنك بالنسبة له مصدر بهجة وسعادة..
ممكن تلاقي نفسك في نظرة الرضا اللي بينظرهالك تلميذك أو ابنك لما تعلّمه حاجة جديدة ويبدأ يمارسها ويعرف قيمتها..
ممكن تكتشف معنى حياتك في بسمة بسيطة على شفايف مراتك لما تمد إيدك وتساعدها في البيت..
كل ده أعمق بكتير من مجرد الوظيفة والدراسة والأهل والأصحاب.. ده أثرك عليهم وفيهم كلهم.. وهو ده– في رأيي الحالي- اللي بيعرفك ويوصفك ويرسم أهم ملامح وجودك.. ويخلي ليه معنى واتجاه وهدف..
فيه حد أثره بيكون كتاب..
فيه حد أثره بيكون مقطوعة موسيقية أو عمل فني..
وفيه حد بيكون أثره ناس اتعلمت واتغيرت على إيده..
إحنا مش بس اسمنا ولا شكلنا ولا شغلنا ولا أهلنا..
إحنا كمان الأثر اللي بنسيبه في الناس والأشياء والأماكن.. بعد ما نتجرد من كل طبقات وجودنا المؤقتة..
إنت بقى..
مين؟
د. محمد طه