(1)

(ديفيد) شابٌّ سياسي لامع.. ناجحٌ وطموحٌ.. طموحه مالهوش حدود.. رشَّح نفسه لانتخابات الكونجرس.. لكن مُنافسه لعب معاه لعبة قذرة تسببت في سقوطه بالانتخابات..

يوم مُؤتمر (ديفيد) الصحفي لإعلان الهزيمة كان نقطة تحول في حياته.. لأنه قابلها.. قابل (إليس).. فتاة جميلة بس متهورة، رقيقة بس غريبة.. قريبة بس مش سهلة.. تبدو مجنونة.. لكنها في مُنتهى العقل.. تلقائية ومُغامِرة.. وجواها فنانة على درجة عالية جدًّا من الإحساس، وبتشتغل راقصة باليه..

بعد ما قابلها بدقايق.. وأثناء كلمته أمام جمهوره، قرّر ديفيد.. وفجأة.. وبدون مُقدمات.. إنه يُخرج عن النّص.. النّص اللي جهزه فريق حملته الانتخابية علشان يقوله لجمهوره.. مش بس كده.. ده كمان خرج عن الشكل اللي كان المفروض إنه يظهر بيه قدام الناس.. من أول الكرافتة لغاية الجذمة.. ديفيد قرّر – ولأول مرّة في حياته- إنه يبقى صادق مع نفسه.. يقول اللي جوّاه زي ما هو.. يعمل اللي حاسس بيه بدون أي حسابات أو مخاوف.. ويفتح قلبه.. للحُب الحقيقي.. والحياة الحقيقية..

بعدها بشهر.. (ديفيد) قابل (إليس) بالصُّدفة تاني.. اتعرّف عليها أكتر.. وقرب منها أكتر.. وحبها أكتر.. وأخد رقم تليفونها.. وده كان تاني خروج عن النّص.. بس المرّة دي.. كان خروج عن النّص اللي السماء (كما يزعم الفيلم) حاطّاه لحياته.. والمرّة دي كان لازم السماء تتدخل علشان ترجعه لخط سيره المرسوم.. وهو ما حدث بالفعل..

(2)

أرسلت السماء فريق (مكتب التسويّة) علشان يصلحوا ما أفسده (ديفيد).. وحصلت مواجهة غير متوقعة بينهم وبينه.. عرّفوه فيها بنفسهم وبقدراتهم غير المحدودة وطلبوا منه بكل صرامة ووضوح إنه يبعد عن (إليس).. ويرجع لمساره المرسوم.. اللي هي مش جزء منه.. واللي ما كانش المفترض فيه إنه يقابلها ولا يحبها.. وإلا هايضطروا لتدخل عنيف.. قد يصل لمسح عقله..

ديفيد مش فاهم ولا عارف هُما ليه مش عاوزينه يقابلها تاني ويحبها ويكمل معاها حياته.. وفي نفس الوقت فيه حاجة جوّاه بتنادي عليها وتروحلها.. فقرر وبكل شجاعة وإصرار وتحدى إنه يصدق إحساسه، ويمشي ورا قلبه، ويدوّر على (إليس).. مُلهمته.. بكل شكل.. وبأي طريقة.. وفي كل مكان.. ورغم إنه ما كانش معاه أي تفاصيل عنها أو أي وسيلة تواصل معاها (بعد ما فريق مكتب التسوية أخد منه رقم تليفونها)، إلا أنه كان عنده أمل.. إنه هايلاقيها..

ديفيد لقى (إليس) بعد ثلاث سنوات من البحث.. والانتظار.. والصبر.. والأمل..

(3)

جنّ جنون فريق (مكتب التسوية).. وعملوا كل حاجة.. كل حاجة.. علشان يفرقوا بين (ديفيد) و(إليس) تاني.. لكن إصرار (ديفيد) وتحديه وثباته وتصديقه لإحساسه وعدم خفوت أمله كان أقوى منهم بمراحل.. فاضطروا لرفع (القضية) لأعلى مُحترف في المكتب.. (طومسون)..

(طومسون) كان رادع.. قاسي القلب.. عنده استعداد إنه يؤذي بدم بارد.. ووسائله في الأذى كتير جدًّا.. واستخدم أقواها وأكثرها ردعًا.. الإحساس بالذنب..

طومسون قابل (ديفيد) وقاله ليه (مكتب التسوية) عاوز يفرق بينهم: لأن الخطة المرسومة والنّص المكتوب بيقول إن (ديفيد) المفروض يزيد نهمه للشهرة.. وبحثه عن حُب الظهور.. واحتياجه للتصفيق والإطراء.. لغاية ما ده يوصله إنه يكون رئيس أمريكا.. في حين إن وجود (إليس) جنبه بيسكت جواه ضجيج البحث عن الشهرة، ويكبح رغبته في حب الظهور، ويشبع احتياجه للشوفان والتصفيق والإطراء.. لأنه هيلاقي كل ده فيها.. وفي عينيها.. وفي قربها.. وفي حبها ليه.. وده كفيل بإنه يخليه شبعان.. ومبسوط.. وراضي.. وقنوع..

(ديفيد) من غيرها هايحكم أمريكا ويغيّر العالم.. لكن معاها مش هايحكم ولا يغيّر غير ( نفسه).. وده ما كانش في الخطة..

طومسون أذى (إليس) لدرجة قد تحرمها من مُمارسة رقص الباليه تاني، وده مُمكن يحطم كل أحلامها وطموحاتها ومستقبلها وحياتها.. وعلّق وقف هذا الأذى على بُعد (ديفيد) عنها.. ديفيد وصلته الرسالة.. وقرر يبعد.. علشان يحميها.. من وجوده معها.. وتوابعه..

(4)

(ديفيد) فضل محتفظ بالأمل، وماتخلًاش عنه، وكان مُتابع إليس وأخبارها عن بُعد.. ومستني الوقت المناسب.. وهنا ظهر ليه أخيرًا أحد أفراد (مكتب التسوية) الطيبين.. اللي قرّر يساعده في الوصول ليها مرّة تانية.. قبل جوازها من شخص آخر..

(ديفيد) قرّر ياخد المخاطرة.. ويستخدم كل طاقته.. وكل مجهوده وكل قدرته على الإصرار والتحدي والمُثابرة وعدم الاستسلام.. ديفيد فتح كل الأبواب المُغلقة.. واخترق كل طُرق المستحيل.. وما وقفش عند أي خوف ولا أي تهديد.. وكان مُستعد يدفع أي تمن.. حتى ولو كان الجنون أو فقد الذاكرة (أو مسح العقل)..

(5)

(إليس) في الدقائق الأخيرة قبل الزفاف.. مليانة تردد وحيرة وتيه.. (ديفيد) يظهر فجأة.. يشرحلها أسباب اختفائه وبعده.. كلام غريب جدًّا مش قادرة تستوعبه.. خطة.. ومكتب تسوية.. وناس بتحارب وجودهم مع بعض!! في حين إنها غضبانة منه جدًّا وشايفاه ندل ووغد ومش قادرة تسامحه على اختفائه المتكرر بدون تفسير كل ما تحبه وتتعلق بيه، حتى إنه سابها وهي مريضة في المستشفى..

وهنا بيكون قدامها اختيار صعب جدًّا: إما تكمل في حياتها المرسومة الواضحة اللي عارفة أولها وآخرها.. حياتها التقليدية اللي هاتبدأها بعد لحظات مع زوج وفرصة عمل ناجحة واستقرار مضمون.. أو إنها تخاطر هي كمان وتخرج عن النّص.. وتتمرد على الخطة المرسومة.. وتصدّق (ديفيد).. وتثق فيه.. بدون شروط.. حتى لو كان – بحسابات العقل-  بيخرف..

(إليس) وبدون تردد ولا تفكير.. قرّرت تخاطر.. واختارت (ديفيد).. اللي قرّر يقابل مدير (مكتب التسوية) بنفسه..

(6)

المشهد الأخير

في كل مكان.. وبكل طريقة.. طومسون ورجالة بيطاردوا (ديفيد) و(إليس).. اللي وصلوا لمقر الإدارة وصعدوا لأعلى نقطة في المبنى.. وتمت مُحاصرتهم هناك.. للبدء في عملية (مسح عقلهم) وإعادتهم للطريق المرسوم..

وفي لحظة جمعت ما بين اليأس والأمل.. والخوف والرجاء.. والوداع واللقاء.. والحيرة والحب.. والموت والحياة…. جت رسالة من المدير لـ(طومسون)..

الرسالة كانت استجابة المدير.. وتغيير الخطة.. وإعادة تحرير النص.. علشان (ديفيد) يكمل مع (إليس)..

(7)

كل الكلام الجاي ما لهوش علاقة مباشرة باتجاه الفيلم الفلسفي أو العقائدي اللي فيه بعض المُغالطات.. لكنه مُستوحى من حاجات كتير منها بعض أفكار الفيلم المتوافقة مع ثقافتنا وتراثنا وديننا..

الخروج عن النص

كام مرّة خرجت عن النّص.. وعن الخطة المرسومة.. وعن الطريق المُعد مسبقًا؟

بلاش كده..

هو فيه كام نص في حياتك.. وكام خطة مترتبة.. وكام طريق جاهز ومتفصل على مقاسك؟

من أول ما تتولد.. يبدأ نص الأب والأم.. بتاع اسمع الكلام.. وما تعليش صوتك.. وما تقولش لأ.. وما تزعلنيش علشان تبقى شاطر.. واشرب اللبن علشان تدخل الجنة..

وبعدين نص التفوق في المدرسة.. بتاع ذاكر واحفظ ولازم تطلع الأول وتجيب الدرجات النهائية وتدخل كلية الطب وتطلع دكتور.. وتحقق حلم أبوك وأمك (مش حلمك انت)..

وبعدين نص المجتمع.. بتاع ضل راجل ولا ضل حيطة، وإن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه، واللي ما لوش كبير يشتريله كبير..

وأخطر من كل ده.. النّص الوحيد اللي يحددهولك شيخ أو كاهن للوصول لربنا.. مع إن طرق الوصول له – سبحانه وتعالى- مُتعددة بعدد الخلق والخلائق..

طيب فاكر لما كنت تحاول تخرج عن النص كان بيحصل إيه؟ فاكر لما كنت بتصدّق نفسك وتمشي ورا إحساسك بيكون إيه رد الفعل؟ فاكر مين كانوا أعضاء (مكتب التسوية) اللي كانوا بيرجعوك –بطرق كتير قوي- للخطة المرسومة.. والطريق الجاهز.. والنّص الأصلي.. كتير أوي.. مش كده؟

فاكر اللعب على وتر شعورك بالذنب وأنت صغير وقد إيه ده شوّه فيك وأذاك؟ طيب فاكر كمية التُّرهات والكلام اللي مالوش لازمة اللي كنت بتضطّر تحفظه علشان تبُخه في الامتحان.. وبعد ما تخرج تنساه وتحفظ غيره؟ فاكر ده قد إيه كان قميء وسيئ وبدون معنى؟ طيب فاكر كلام الشيخ الجليل معقود الحاجب أو الكاهن العظيم مُكفهر الوجه عن إنك مُخطئ وعاصي وكافر لمجرد إنك سألته سؤال برّه النّص.. أو فكرّت فكرة برّه الصندوق؟ وإزاى تعامل معاك وكأنه معاه مفاتيح الجنة والنار.. وكأنه وصي على الدين.. أو على ربنا (جل علاه)..

عرفت مين هما أعضاء (مكتب التسوية) اللي كانوا حواليك طول حياتك وفي كل مراحلها؟ عرفت كانوا عاوزين منك إيه طول السنين دي؟ عرفت التمن اللي دفعته.. واللي غالبًا ما زلت بتدفعه..

كانوا عاوزينك تبقى أي حاجة.. غير نفسك الحقيقية اللي ربنا خلقها.. خلقها حرّة.. تلقائية.. عنيدة.. جريئة.. ليها حق الاختيار وتقرير المصير.. وتحمّل المسئولية.. ما فيش بينها وبينه أي وسيط ولا أي وصي..

كانوا عاوزينك تبقى تقليدي.. عادي.. زيهم.. لا تسأل.. ولا تفكر.. ولا تحس..

كانوا عاوزينك ما تخاطرش.. وتستسلم.. لكل ما هو زائف وهش وفارغ..

كانوا بيغروك بنجاح مألوف.. وسِكة معروفة.. وحياة اعتيادية..

والتمن كان تشويهك وتخلّيك عن فطرتك وانسلاخك من جلدك.. فتخرج منك نفس مُزيفة متكيفة مع النّص المكتوب.. متوائمة مع الخطة المُعدة مسبقًا.. لا تسلك إلا الطريق المرسوم والمرتب والمفصل على مقاسها..

(8)

لا يرد القضاء إلا الدعاء

تعرف إنّ عندك القدرة على تغيير الأحداث ومجريات الأمور..

تعرف إنك مُمكن تغيّر القدر.. وترد القضاء..

تصوّر إنك انت اللي بتحدد موقف ربنا منك..

مش الفيلم هو اللي بيقول كده.. ولا أنا اللي بادَّعيه.. ده ربنا ورسوله الكريم هو اللي علمنا ده.. لما الرسول صلى الله عليه وسلم يقول “لا يرد القضاء إلا الدعاء” يبقى ربنا إدالك في إيدك مفتاح تغيّر بيه أحداث ومجريات حياتك -بإذنه- وده برضه هايكون من القضاء اللي هو – سبحانه- مقدّره بعلمه وقدرته.

ولما يقول ربنا عز وجل في الحديث القدسي: “إذا تقرَّب العبدُ إليَّ شبرًا تقربتُ إليهِ ذراعًا، وإذا تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيتُه هرولةً”.. يبقى انت اللي بتحدد موقف ربنا منك.. والبداية دايمًا من عندك..

ولما ربنا يقول: “ونحنُ أقربُ إليه من حبلِ الوريدِ”.. يبقى ما فيش بينك وبين ربنا أي حاجز أو وسيط أو وصي..

يعني- وباختصار شديد- حضرتك مالكش حجة..

معاك كل الأدوات المناسبة علشان ترسم خطة حياتك بنفسك.. وتغيّر الخطة دي بناء على رؤيتك واحتياجاتك في كل مرحلة منها..

ومعاك الإرادة الحُرة اللي تحدد بيها الطريق اللي هاتمشى فيه.. ولو ما عجبكش.. تمشي في غيره..

وعندك القدرة على الاختيار.. وإعادة الاختيار.. وإعادة إعادة الاختيار مرّة واتنين وتلاتة..

وليك الحق في اتخاذ أي قرار تشوفه في أي وقت تحبه.. من أول هاتفطر إيه النهاردة لغاية الإيمان والكفر..

ربنا إدالك مفاتيحك في إيدك.. وسلّمك عقد ملكية نفسك لفترة مُحددة بعمرك.. ووهبك حرية وإرادة واختيار وقرار ومسئولية..

أنا مش كاتب الكلام ده علشان أقول خُطبة دينية أو وعظ مباشر.. أنا كاتب الكلام ده علشان أقولك حاجة تاني خالص:

ما فيش أي حد من حقه يرسملك طريق حياتك.. ولا أي حد من حقه يحط رجلك على طريق انت مش مُقتنع بيه.. ولا أي حد يملي عليك آراءه وتجاربه الخاصة باعتبارها نصوصًا مُقدسة..

مش من حق أي حد يحددلك اختياراتك.. ولا ياخد قراراتك بالنيابة عنك.. ولا يخليك تشوف بعينيه أو تسمع بودانه أو تبقى مشروعه الاستثماري الرابح.. أو تحقق حلم حياته اللي ما حققهوش..

أنت كائن مستقل بذاتك.. حر.. ومختار.. ومسئول..

(9)

مخاطرة الأمل

في علاقته بـ (إليس)، (ديفيد) كانت كل الأبواب قُدامه مقفولة.. كان مُطارَد.. كان مُعرض للخطر في كل خطوة بيخطيها.. وكان الأسهل ليه وليها إنه يكمل مشوار نجاحه وصعوده المضمون..

فريق (مكتب التسوية) كان عنده كل القوى.. وكل الصلاحيات.. طول الوقت..

لكن (ديفيد) كان عنده حاجة أقوى وأهم.. كان عنده أمل.. والأمل دايمًا محتاج حاجتين: إنك تصدّق إحساسك.. وإنك تكون مُستعد للمخاطرة.. علشان الأمل مُخاطرة..

مُخاطرة إنك تسيب اللي تعرفه وتروح للي ما تعرفهوش.. وإنك ترفع أقدامك من على الأرض الثابتة، وتحلّق في السما شوية.. قبل ما تلاقي أرض جديدة تقف عليها..

مخاطرة إنك تقتحم المجهول.. وتقبل الفشل والضعف.. وفي وقت من الأوقات.. مُمكن تبقى لوحدك..

مُخاطرة إنك تستخدم كل مجهودك وطاقتك وقُدرتك، وتجيب آخر ما عندك من صبر وإصرار ومُثابرة.. علشان توصل..

مُخاطرة إنك تشوف مخاوفك وتقبلها وتتجاوزها.. وما تقفش عندها ولا تسمحلها تعطلك..

مُخاطرة إنك تبقى مُستعد تدفع أي تمن.. في أي وقت..

أول ما تلاقي في نفسك كل ده.. يبقى عند أمل.. بجد..

ساعتها.. هاتلف مقبض أى باب في اتجاه أملك.. فالباب يتفتح.. على مشهد مفاجئ مختلف.. وعالم جميل مُبهج.. وفرحة حقيقية عارمة.. ووصول مُبدع وعبقري..

ساعتها..مش هاتبقى أي حد غير نفسك..

(10)

ترياق الحب

أنا مش هاكتب عن الحب أكتر من اللى اتكتب.. ولا هاخترع كلام جديد.. بس فيه مشهد واحد في الفيلم ده لخص كل الكلام وكل المعاني اللي مُمكن تتقال أو توصِف الحب..

كل واحد فينا عنده احتياجات نفسية أساسية بيتولد بيها وبيعيش بيها وطول الوقت بيسعى إنه يشبعها من خلال علاقته بالآخرين.. احتياج إنك تتشاف وتتسمع.. ويبقى مُرحب بوجودك في الدنيا.. احتياج إنك يتحس بيك.. احتياج إنك تتقبّل من غير شروط.. احتياج إنك تحس إن وجودك مهم ومبهج وله معنى عند اللي حواليك.. احتياج إنك تبقى تلقائي وعلى طبيعتك بدون زيف ولا تشويه.. احتياج إنك تقول (لأ) بمنتهى القوة عند اللزوم.. واحتياجات تاني كتير أوي..

الاحتياجات دي لو تم إشباعها أثناء التربية، بيطلع إنسان سوي وصحيح نفسيًّا.. وتكبر معاه احتياجاته.. في صورة معقولة وبسيطة.. لكنها لو لم يتم إشباعها منذ الصغر.. بتفضل في صورتها الطفولية الضخمة جدًا وتكبر مع الواحد بشكل مَرضي لا يكف عن الضجيج والصخب طول الوقت..

(ديفيد) كان عنده احتياج ونَهم شديد للشوفان (إنه يتشاف ويتعرف ويشتهر).. كان بيحب الظهور.. كان بيعشق لمعان عيون الناس لما تشوفه.. كان بيستمتع بتصفيق الناس ليه وإعجابهم بيه.. والاحتياجات دي كانت موجودة جوّاه بشكل مَرضي لا يشبع ولا يرضى.. لأن كل وسائل إشباعها كانت مُزيفة ومُؤقتة وغير حقيقية..

(ديفيد) كان جوّاه فراغ عامل زي الثقب الأسود اللي بيبلع أي حاجة يلاقيها قصاده.. بلا نهاية.. وكان الطريق المرسوم ليه (هو) إنه يفضل يطلبها ويسعى إليها ويحاول يشبعها بشكل مرضي ومبالغ فيه.. لغاية ما يوصل لرئاسة أمريكا..

وجود (إليس) في حياة (ديفيد) كان العلاج.. وحبها الحقيقي ليه كان الحل.. وجودها جنبه كان هو الجواب الشافي لأسئلته.. وحبها كان الدواء الناجع لوجعه..

في مشهد عبقري بين (ديفيد) وعضو (مكتب التسوية) الطيب (هاري):

– طومسون كان كاذبًا حينما أخبرك بأنه لا يمكن وجودك بجانب (إليس) لأنها تظهر جانبك المُستهتر.

– لماذا إذن يهتمون للغاية؟

– لأنّها تكفي يا (ديفيد).. لأنك إذا حصلت عليها، فلن يكون عليك أن تملأ ذلك الخواء بداخلك بالتصفيق والأصوات.

إذا كان فيه أي حاجة مُمكن تُشبِع كل الاحتياجات النفسية الأساسية لأي بني آدم في الدنيا.. فهي حُب حقيقي صادق غير مشروط..

إذا كان فيه دواء شافي لكل الأمراض النفسية.. من القلق وحتى الجنون.. فهو حُب خالص من القلب..

إذا كان فيه ترياق لكل العلاقات المسمومة، والتشوّهات النفسية المُعقدة.. فهو حُب أصيل يصل لنخاع الطرفين..

إذا كان فيه سكة واحدة.. تصل بينك وبين نفسك وبين الناس وبين ربنا.. فهي سكة الحُب.. في صورته الخام..

الحُب هو الإجابة الأخيرة.. على كل التساؤلات..

الحُب هو الجراحة الناجحة.. لكل القلوب..

الحُب هو كلمة السر.. وروعة السحر.. ومنبع النور..

إلى كل الأمهات والأباء والأصدقاء والأزواج والأحبة والعشاق.. اقروا الكلام من الأول..

د. محمد طه