فيه كلمات من كُتر ما بنستخدمها فقدت معناها..
من أشهر الكلمات دي كلمة: “الثقة بالنفس”..
تقدر حضرتك تقوللي يعني إيه “الثقة بالنفس”؟
تقدري حضرتك تقوليلي إيه المقصود بـ “أنا واثقة في نفسي”؟
مُعظم الكتب والدوريات العلمية الحديثة ما فيهاش حاجة اسمها “ثقة بالنفس” Self-trust.. إنما فيها حاجة اسمها “استحقاق النفس” Self-worth.. حتى إنه من الأعراض الشهيرة لمرض الاكتئاب عرض شائع جدًّا اسمه الشعور بعدم الاستحقاق ..Sense of Worthlessness
هي تفرق؟
آه طبعًا تفرق..
إحنا اتربينا واتعودنا على إن الشخص (الواثق في نفسه) شخص قوي.. ناجح.. دايمًا بيبُص قدامه.. بيحسبها صح.. مش بيضعف.. ومش بيفشل ..
وفي الحقيقة دي أكبر خدعة بنخدعها لنفسنا.. علشان بكل بساطة الشخص ده مش موجود.. غير في الخيال.. وفي أفلام (جيمس بوند) و(مُهمّة مُستحيلة)..
القوي والحسيب والظافر والقاهر هو ربنا.. ربنا بس..
ربنا بس هو اللي مش بيضعف ومش بيفشل وليه مقادير وتدابير وخوارق ومعجزات.. لكن جهل الإنسان وظلمه لنفسه خلاه في أوقات كتير جدًّا ينافس ربنا.. تحت مسمّيات مُتعددة.. أولها (الثقة بالنفس).. ونظرة بسيطة مُتأملة على شخصيات زي (سوبر مان) و(أيرون مان) و(بات مان) و(سبايدر مان) هاتوريك بوضوح الشغف البشري والهوس التاريخي الدائم بخلق إله بشري (أو على الأقل نصف إله- نصف بشر)..
أما “استحقاق النفس” فده موضوع تاني خالص.. وعلشان ما يتحولش الكلام لمحاضرة أكاديمية.. هأقولك بشكل عملي ومباشر مُمكن تعمل إيه علشان تتعامل مع نفسك على أنك “تستحق”..
أولًا.. تعرف وتتأكد إنك بشر.. بني آدم.. مش ربنا.. تقبل إنك تخطئ، وتقبل إنك تضعف، وتقبل إنك تفشل.. ودي مقومات آدميتك، ودواعي بشريتك.. من غير ما تخطئ مش هاتتعلم، من غير ما تضعف مش هاتحس بقوتك، ومن غير ما تفشل مش هايكون للنجاح أي طعم.. خليك عارف دايمًا إن قبول الخطأ صواب.. وقبول الضعف قوة.. وقبول الفشل نجاح.. يعني تقبل نفسك كلها على بعضها بكل ما فيها، وبكل ما سيكون فيها..
ثانيًا.. تصدّق من جواك إنك :تستحق”.. “تستاهل” يعني.. تستاهل تعيش.. تستاهل تتحب.. تستاهل تُحترم.. تستاهل يُهتم بيك.. تستاهل تتشاف.. تستاهل كل حاجة كويسة في الدنيا.. ربنا ما خلقكش جُزافًا.. ربنا خلقك وكرّمك وحط في فطرتك وبرنامجك الإلهي ملف اسمه “ولقد كرَّمنا بني آدم”.. بني آدم دي يعني انت.. مطلوب إنك تحس وتصدّق وتعيش وتمارس إنك تستاهل من أول ما تصحى الصبح لغاية ما تنام بالليل.. وخلي بالك.. أكبر غلطة ممكن تغلطها هي إنك تربط إنك “تستاهل” بأي حاجة عملتها أو قولتها.. يعني تقول “أنا أستاهل أتحب لأني نجحت”، أو “أستاهل أُحترم لأني أنجزت كذا”، أو “أنا أستاهل أتشاف لأني حققت كذا”.. لا.. لاااااااااااااااااا.. إنت تستاهل كل دول من غير ما تعمل أي حاجة.. تستاهل كل دول علشان إنت موجود.. علشان إنت خِلقة ربنا.. ارتباط إنك تستاهل بتحقيق أو إنجاز أي حاجة معناها إنك بتحط لنفسك شروط، في حين إن ربنا لما كرمك محطش ليك أي شروط على الإطلاق. أنت كريم.. أنت مكرَّم.. أنت تستاهل.. مهما حصل..
ثالثًا.. تدي نفسك كل يوم فرصة جديدة، وأمل جديد.. يعني ما توقفش ولا توقف نفسك عند أي محطة فاتت في حياتك مهما كانت صعبة أو مؤلمة.. يعني ما تشوفش النهاردة بعيون امبارح.. ولا بُكرا بعيون النهاردة.. اعتبر كل يوم حياة جديدة.. واعتبر نفسك كل يوم في خلق جديد.. وسيبك من الكلام التقليدي بتاع (خلي عندك أمل)، لأنه في الحقيقة الأمل موجود جوّاك بالفعل.. بس محتاج منك تصدّقه وتستخدمه..
رابعًا.. ودي أهم واحدة.. كن نفسك.. ما تكونش زي ما أي حد عاوز.. ما تسجنش نفسك في آراء الآخرين.. وما تفصلش نفسك على مقاس أي حد، اللي عاوزك 37 واللى عاوزك 39 واللي عاوزك 42.. ما تسمحش لأي حد يشوف فيك نفسه، ويحاول يحقق من خلالك أحلامه الشخصية.. ما توافقش إن أي حد يشوفك امتداد ليه، أو مشروعه الاستثماري الخاص.. ما تسمحش لأي حد يقبلك بشروط، أو يحبك بشروط، أو يحترمك بشروط.. أنت نفسك.. نفسك وبس.. أنت في رحلة.. فيها صعود وهبوط.. فيها حركة وفيها ثبات.. فيها خطوات لقدام، وساعات خطوات لورا.. فيها وقوع، وفيها لخبطة.. فيها حيرة وفيها شك.. فيها نور وفيها ضلمة.. فيها كل حاجة.. كل حاجة.. واللي ما يشوفش ده ويقبله ويقبلك بيه.. تقوله شكرًا.. وتكمل رحلتك من غيره..
خامسًا وأخيرًا.. استبدل الإحساس (المرضي) بالذنب بالإحساس (الصحي) بالمسئولية.. يعني بدل ما تجلد نفسك وتعلّقلها حبل المشنقة مع كل غلطة.. اعتذر للي غلطت في حقه، وما تكررش الغلطة تاني (متعمدًا).. بدل ما تيأس وتقنط وتضلم الدنيا من حواليك علشان أخطأت، سامح نفسك واطلب السماح من ربنا وخليك واثق في عفوه ورحمته.. إحساسك بالذنب هايوقفك ويسجنك ويشل حركتك ويخليك تكرر نفس الغلطة تاني كل مرة.. إنما إحساسك بالمسئولية هايخليك تتعلم، وتعتذر، وتسامح، وتتغير.. وتتحرك.. وتتحرر..
هل ينفع بعد كل ده إننا نتكلم – زي ما اتعودنا- بشكل مُختزل ومشوّه ونمطي عن ما يسمى “الثقة بالنفس”؟ هل ينفع نخدع نفسنا تاني بهذا العنوان البراق الخالي من المعنى ومن العمق ومن الحقيقة؟ هل هانستمر نجري ورا هذا السراب على صفحات الكتب وفي برامج التليفزيون؟ ما اعتقدش..
قبل ما تقوم..
خد الروشتة دي معاك..
خليها في جيبك..
لا..
في وعيك..
هاتحفظها بعقلك.. وتصرفها بقلبك.. وتستخدمها بروحك ونفسك..
ممكن تسميها روشتة “استحقاق النفس”..
R/ أنا مش ربنا، أنا بشر بغلط وبضعف وبفشل
R/ أنا أستاهل أتحب وأتقبل و أحُترم من غير شروط
R/ كل يوم فرصة جديدة وأمل جديد
R/ مش هاكون غير نفسي ومش هافصَّل نفسي على مقاس حد
R/ هاستبدل “أنا مذنب” بـ “أنا مسئول”
ياللا قول معايا:
الحمدلله
د. محمد طه