الشعور الوحيد اللى بيتملكنى وأنا باشوف أو باقرا-مجرد القراية- عن الشخصية السيكوباثية.. هو الشعور بالخوف..

الشخص السيكوباثى باختصار هو شخص مؤذى جداً.. ومتلاعب جداً.. ومعندهوش ذرة ضمير أو نوبة ندم.. رغم إنه يقدر يمثلهم كويس قوى..

أخطر شئ فى تركيبة الشخص السيكوباثى هو ما يسمى بال Stranger Selfobject.. يعنى موجود جوه تكوينه النفسي جزء منه – بس غريب عليه.. الجزء ده أصله صورة أبوه أو أمه النفسية داخله.. والمرتبطة بالقسوة أو الإهمال أو سوء الاستغلال اللى تعرض ليه على إيديهم..

الشخص السيكوباثى حرفياً بيكره حتة منه.. بيكره ما يفترض إنه يكون أغلى حاجة عنده..

علشان كده.. الشخص ده قصة حياته عبارة عن تدمير كل من يفترض إنه يكون (أغلى حاجة عنده)..

لو واحدة ارتبطت بشخص سيكوباثى.. هاتبقى عارفة الكلام ده كويس.. هى بتدوق المُر حرفياً كل يوم.. وبتتعذب بكل أصناف العذاب النفسي والبدنى بلا انقطاع.. مرة يتلاعب بمشاعرها.. مرة يوحي لها بصفات سيئة وغير حقيقية عن نفسها (وهى تصدقها).. مرة يحسسها بالذنب علشان يملكها.. مرة يقلل من شأنها علشان يسيطر عليها.. مرة يبكى ويبوس إيديها ورجليها علشان يصعب عليها و يخليها تتعاطف معاه.. ومرات يهددها بالهجر أو الانفصال.. وأحياناً بالقتل أو الانتحار..

أصعب بقى حاجة فى كل ده هو إن هذا الشخص –فى أغلب الأحيان- غير قابل للعلاج.. ولا للتغير.. هو غول الأمراض النفسية بمعنى الكلمة.. أكرر فى (أغلب) الأحيان وليس (كل) الأحيان.. وطبعاً لو معاه شوية نرجسية.. يبقى الموضوع أصعب وأعقد..

جلين جابرد العالم النفسي الشهير، بيحذر فى كتابه (Psychodynamic Psychiatry in Clinical Practice- الطبعة الخامسة 2014) الأطباء والمعالجين النفسيين أنفسهم من الشخص السيكوباثي.. بيقولنا إوعوا تستعملوا معاه طرق العلاج التقليدية.. لأنه ممكن يتلاعب بيكم ويغيّركم أنتم شخصياً للأسوأ.. إوعوا تدخلوه مجموعة علاجية.. هايبوظها ويفركشها ويؤذى أعضائها.. إوعوا تاخدكم الحماسة والجلالة وتلعبوا معاه دور المنقذ.. مش هاتلاقوا اللى ينقذكم منه بعد كده.. السيكوباثى علاجه هو استئصاله من المجتمع.. وحجزه فى قسم نفسي بمؤسسة خاصة بتأهيل المجرمين.. فقط.. ولا غير..

المهم..

فيه اتجاه فى علم النفس بيقول إن زى الأشخاص ماليهم تركيبة شخصية.. المجتمعات برضه ليها تركيبة شخصية.. وبعض علماء النفس زى (دى مارى 1991) و (فارهاد دلال 1998) بيشوفوا إن مافيش فروقات كتير بين (تكوين الشخصية) و(تكوين المجموعة) أو (المجتمع) أو حتى (الثقافة).. علشان كده فيه مصطلحات زى (العقل الجمعى) و (الوعى الجمعى) ومؤخراً فيه كتب بتتكلم عن وجود عقل باطن جمعى زى ما فيه عقل باطن شخصى.. يعنى زى ما فيه شخصية نرجسية مغرورة ، فيه مجتمع نرجسى مغرور (أحياناً بيوصفوا المجتمع الأمريكى بكده).. زى ما فيه شخصية دقيقة بزيادة وحريصة جداً وكاتمة للمشاعر (شخصية وسواسية قهرية)، فيه مجتمع دقيق وحريص وبارد المشاعر (أحياناً بيوصف المجتمع الانجليزى بده).. وطبعاً زى ما فيه شخصية سيكوباثية، فيه مجتمع (أو مجتمعات) سيكوباثية، أو على الأقل.. به سلوكيات سيكوباثية..

طيب المجتمع اللى فيه سلوكيات سيكوباثية -لو صح هذا الفرض- يبقى عامل إزاى؟

أيوه.. بالظبط.. نفس ما سبق وصفه..

مجتمع يتلاعب بمشاعرك.. لدرجة إنك ماتعرفش هو بيحبك واللا بيكرهك..

مجتمع يلوم الضحية.. ويذبحها.. ثم يسلخها سلخاً..

مجتمع يكره نفسه.. ويقسو على أغلى ما فيه..

———————————————————

وأنا باتابع اللى حصل فى مجتمعنا خلال الأسابيع القليلة اللى فاتت.. حسيت بنفس الخوف اللى باحسه وأنا باشوف أو بأقرأ عن الشخص السيكوباثى..

أنا هاعرض 3 حاجات فقط.. وهاسيب التعليق والتحليل ليك..

(1)

دى بعض تعليقات الناس على السوشيال ميديا بخصوص إحدى حوادث التحرش الأخيرة:

– هو غلطته انه شاف العره حلوه.. بأقولك.. أنا بشعري وبالبس وباخرج، بس الرك علي اللي بتلاغي وبترمي حتي نظره.. احترمي نفسك وحطي وشك بالأرض.. ومش من جمال أهلك.. وكمان في إجماع عليكي.. يبقي فيكي حاجه زفته روحي صلحيها ياختي.

– واحدة بتستهبل.. أى واحدة شاب بينزل لها من العربية معروفة يعنى ايه.. وانتى اكيد عايزة تتشهرى.

– انتى اختلقتى حالة من عدمها.. ووصلّتى الشاب للمرحلة دى.. وده معناه انك بتجاريه وبتلاغيه.. ومن الآخر مجهزة حالك انك تكونى شقطه لاى حد.. فانتى الغلطااااااانة.

– يا بنتى تعالى نتكلم بالعقل.. مغفل مين الى هيعاكسك بمناخيرك دى.

– شكلك امك مريضه نفسيا.. الله يحرقك كرهتيني اكتر في بنات مصر.. أغلبكوا مرضي ومعقدين.

– انتي بت (………) و هما شافوكي (………..) عاوزه تتشقطي ، راحوا يشقطوكي.

– اه عايزة تظهر بقى عشان تتعرف اكثر.. فكرة حلوة برافو عليكى.. الناس هتعرفك و ممكن تطلعى فى برامج.. الف مبروك خطة ذكية جدااااا.

– أنا مستغرب ازاي واحد يعاكس وحدة مقرفة كده.. حواجبك بس عشان اعدي يا مودمازيل.

– أنا لو شوفتك بالزعافه اللي عملاها فى شعرك دي وفكرت اعاكسك، أستاهل اخش جهنم.

– معرفتش تجيبه بوشها.. قالت اخلع واجيبه بجسمي.

– دي واحده حابه تعمل شو اعلامى بس بطريقه رخيصه ووقحه.. الصراحه والولد آه هو عاكس بس بأدب.. وماعتقدش انه في حد هينزل من عربيته لواحده غير مايكون شاف منها قبول..

– نازلة تصطاد متحرشين علشان تعمل نفسها بطلة.. جتك نيلة عليكى وعلى اللى رباكى.

– انتى كنتى واقفه تتصيدى أى خطأ وتلفتى النظر للشباب علشان تعاكسك.

– انتي (…….) وكذابه أصلاً.. مش بادافع عن حد والله.. لبسك ومظهرك هما الي خلوهم يعملوا كده..

ودى بعض التعليقات على بنت اتعرضت لمحاولة اغتصاب من أحد سائقى شركات المواصلات الخاصة:

– لمى نفسك شوية.. راكبة عربية خاصة وعاوزاه يسكت؟

– قعدتها بتقول إنها خبرة.

– البنت دى شكلها بتمثل.. ده شكل واحدة اتعرضت لحادث إغتصاب؟

– أصل البنطلون ده هو السبب.

– القعدة دى مش قعدة أول تحرش.

– السؤال: إيه اللى ركبك معاه؟

– ماهو يمكن افتكرك ذئبة بشرية زيه.

– تستاهلى.

– بشكلك ده أى حد هايغتصبك.

– انتى إيه يخليكى تركبى سيارة خاصة.. فعلاً تربية واطية.

– أكيد إنتى السبب يا مثيرة يا إغراءك.

– انتى شكلك أساساً ولبسك حاجة

تدعو للاغتصاب.

– من غير كلام، هى لو محترمة مش هايعمل كده.

– أولاً إنتى إزاى ركبتى معاه عربية.. ثانياً نزلى رجلك اللى تنكسر.. ثالثاً انتى شكلك بتحورى.

– طيب لازمتها إيه تطلعى وتشهّرى بنفسك.. ماتتلمى ياختى.

– دى لو لابسة عباية محدش هايلمسها، لكن الناس هاتعملها إيه؟

ودى عينة أخيرة من التعليقات على حادثة تحرش أخرى، قام فيها المتحرش (بقتل) زوج السيدة اللى تحرش بيها، بعد ما تصدى له علشان يدافع عن مراته:

– ماهو أكيد ديوث وسايب الأمورة تمشى على الشط.. يستاهل هو واللى شكله.

– هو اللى غلط.. لو لبسها لبس محترم، ماكنش اتحرش بيها.. دور على مراتك الأول يا لطخ.

– لو راجل بجد، ماكانش راح البحر هو وزوجته.. مكان فيه شباب والناس مختلطة.. لازم يتحمل العواقب..

(2)

ده جزء من خطاب اتحاد الكورة (اللى نشرته بعض المواقع) رداً على طلبات اللاعب العالمى محمد صلاح:

“نحيط الكافة علماً أنه ليس من اختصاص الاتحاد النظر فى قضايا اللاعبين ومشاكلهم الشخصية وحلها، حيث أن هناك جهات مختصة لنظر قضاياهم. لذا، فإننا نوجه وكيل (المدعو) محمد صلاح حامد غالى طه باللجوء إليها. وسيتم إحالة (المذكور) إلى لجنة الانضباط لإخلاله بلائحة الانضباط ونشره بيانات على غير وجه الحقيقة من شأنها الإضرار بسمعة مؤسسة وطنية لغايات التكسب الإعلامى ونيل (الشهرة) على حسابها”

(3)

أخيراً.. دى عناوين مجموعة أخبار حدثت خلال الأسابيع الأخيرة:

– أستاذ جامعى يضرب ابنه الشاب بسير غسالة مربوط به مفك.. حتى الموت (الوطن- 22 يوليو 2018).

– الدقهلية تشيع الطفلة حبيبة.. ضحية الاغتصاب. (الوطن- 26 أغسطس 2018)

– سيدة المنيا تمثل جريمة إلقاء طفليها فى الترعة. (الدستور- 27 أغسطس 2018)

– النيابة تأمر بضبط وإحضار فتاة ووالدتها لتورطهما مع والدها فى مقتل طالب الرحاب (اليوم السابع- 28 أغسطس 2018).

———————————————————

يبقى إحنا قدام ظواهر مجتمعية بيُلقِى فيها (الكثير) اللوم والمسئولية فى حوادث التحرش على الضحية.. وإحدى المؤسسات الرياضية بتؤذى أحد أبناءها وتشوهه بهذا الشكل.. وبتتابع –مؤخراً- حوادث قتل الأبناء والبنات بشكل غريب..

مش هو ده الوصف الحرفى ل” تدمير كل من يفترض إنه يكون (أغلى حاجة عنده)”؟

هو فيه أكتر من تشويه الأنوثة؟

هو فيه أصعب من إفشال الناجحين؟

هو فيه أبشع من قتل الأبناء؟

مش هى دى السمة الأساسية فى الشخصية السيكوباثية؟ (بالإضافة طبعاً للتلاعب والفهلوة والسخرية اللازعة من كل شئ).

أنا مش باتكلم عن حالات فردية ممكن يحصل بعضها فى مجتمعات تانية.. أنا باتكلم عن ظواهر مجتمعية واضحة وضوح الشمس.. بتقولنا العقل الباطن بتاع مجتمعنا.. بيحصل فيه إيه.. ولو ماوقفناش هنا وقفة جادة للدراسة والعلاج.. يبقى احنا بننطلق بسرعة الصاروخ نحو أقرب هاوية..

لغاية وقت قريب، كنت باشوف شخصية مجتمعنا أقرب لصفات الشخصية الحدية Borderline Personality: تطرف ومبالغة فى المشاعر.. تأرجح بين التقديس ونزع القيمة Idealization-Devaluation.. اضطراب شديد فى الشعور بالهوية.. تفيكر بطريقة (الأبيض والأسود) فقط.. اندفاعية شديدة، و صورة مهزوزة عن الذات.

بس اللى أنا شايفه من أسابيع إننا بنقرب من السلوكيات السيكوباثية وبنتحول إليها بدرجة مزعجة ومخيفة فعلاً..

ده مش تعميم..

ولا لوم للناس..

ولا اتهام للمجتمع..

ولا أى إسقاط سياسي..

ولا نتائج بحث علمى استقصائى..

دى فقط تساؤلات.. وملاحظات شخصية، تحتمل الخطأ والصواب.. لكنها تحتاج بحث وتحليل.. تحتاج جهد وتوعية.. تحتاج تدخل جراحى محترف.. قبل ما نوصل للنقطة اللى ماينفعش فيها علاج..

ولغاية ما نعمل ده.. مهم جداً نعرف إن العقل الباطن بتاع كل واحد فينا جواه حتة من العقل الباطن بتاع مجتمعنا.. يعنى أنا جوايا منه.. وانت.. وانتى.. وأصحابك.. وأهلك.. وجيرانك.. كلنا بمعنى الكلمة..

وده يخلى كل واحد فينا يشوف مسئوليته الشخصية عن اللى احنا فيه.. من غير ما نرمى اللوم على بعض.. أو على الحكومة.. أو على المؤامرات الكونية..

مطلوب فقط إن كل واحد يبدأ بنفسه..

بس..

يا ترى ممكن تبدأ بنفسك؟

د. محمد طه