رضوى الشربينى.. ونظرية البالونة والدبوس..
 
فيه مصطلح مهم فى علم النفس اسمه Narcissistic Injury.. يعنى الجرح النرجسي.. اللى بيحصل لما شخص نرجسى يتعرض لإهانة أو تقليل من شأنه (أو هكذا يتصور).. وقد إيه ده بالنسبة له بيكون قاسى ومؤلم، لدرجة قد تخرجه أحياناً عن صوابه..
 
شوفت مجموعة فيديوهات انتشرت مؤخراً على السوشيال ميديا للمذيعة (رضوى الشربينى).. بتنصح فيها الستات والبنات إنهم مايرضوش بأى شكل من أشكال الإساءة أو الأذى من أى راجل.. يعنى مايرضوش بالضرب.. مايرضوش بالاستحقار.. مايرضوش بالخيانة.. وانهم من حقهم يعاملوا الرجالة بالمثل.. يعنى يبعد عنها، فتبعد عنه، يتقل عليها، فتتقل عليه، يختفى ويعملها بلوك.. تختفى هى كمان وتعمله بلوك من حياتها كلها..
 
أنا ماتوقفتش عند أسلوب رضوى فى الكلام.. ولا قد إيه من كلامها كان مصبوغ بخبرة وتجربة شخصية.. ولا مدى ملائمة الفقرة أو البرنامج للقناة المعروض عليها.. لكنى توقفت كتير عند ردود الأفعال الغريبة جداً.. والكتيرة جداً.. والساخرة جداً.. والعنيفة –بشكل ما- جداً جداً..
 
اللى عملته رضوى الشربينى بكل بساطة.. واللى أنا شايف إنه ممكن يفسر كل هذا الكم والكيف من ردود الأفعال، هو إنها ضربت دبوس رفيع حاد فى بالونة الأنا النرجسية المتضخمة للرجل الشرقى.. تخيلوا لما واحدة ست (خاصة لو كانت على قدر ما من الجمال)، تتحدث بثقة وظهر مفرود وصوت عالى، وتقول لرجل شرقى: لأ..
إذا ماكانش ده هايعمله Narcissistic Injury.. أمال هايعمل إيه؟
 
————————————————–
العالم الألمانى Heinz Kohut، قضى عمره كله فى دراسة وبحث ظاهرة (النرجسية).. وعمل نظرية كبيرة ومهمة عن تكوين الشخص النرجسى، وأسبابه، وعلاجه.. واتكلم كتير عن النرجسية الطبيعية.. والنرجسية المرضية..
 
(كوهوت) قال إن فيه احتياج إنساني أساسي بنتولد بيه كلنا، اسمه الاحتياج للشوفان Need to be seen/mirrored.. لو تم اشباع الاحتياج ده بشكل مناسب أثناء الطفولة، هانكبر ويبقى عندنا شعور بالاستحقاق (أنا أستاهل.. أستاهل أتحب وأستاهل أفرح وأستاهل أنجح.. وهكذا).. وسمى ده النرجسية الصحية أو الطبيعية..
 
ولو ماتمش اشباع الاحتياج ده واحنا أطفال.. بنكبر ويبقى عندنا جوع شديد للشوفان (ان الناس تشوفنى وتصقفلى).. ونهم بشع للإعجاب (انى اكون محل إعجاب الجميع وبؤرة أضواء الكون).. ورغبة شديدة فى لفت الأنظار.. وسمى ده النرجسية المرضية.. واللى بيكون فيها الشخص النرجسى حاسس بأهمية مبالغ فيها، وشايف نفسه إله منزه عن النقص، وبيتعامل مع غيره بفوقية وسلطوية زائدة.. لا يقبل النقد.. لا يطيق الاختلاف.. لا يتحمل أى كلمة أو نظرة أو حتى لمسة توحى له بأى قدر من الإهانة أو التقليل (لأنه حاسس من جواه إنه أصلاً قليل ومايستاهلش).. هو عبارة عن بالونة كبيرة ضخمة منفوخة هوا لتعويض شعوره الداخلى العميق بالخواء وعدم الاستحقاق.. ده حد وصله طول عمره إنه مايستاهلش.. فقرر يصدق إن مافيش حد يستاهل غيره..
 
مشكلة Kohut بقى إنه ماعاشّ فى مجتمع شرقى، ولا عمل أى دراسة أو بحث على أى رجل شرقى.. علشان كده هو فاته كتير أوى.. وأهم ما فاته هو إن طريقة تكوين الشخصية النرجسية فى مجتمعاتنا يُضاف إليها بُعد مختلف تماماً عن اللى شافه واللى وصفه..
وكلامى التالى بدون تعميم..
 
إحنا عندنا الأولاد (الذكور) مش بيوصلهم انهم مايستاهلوش.. لا.. ده بيوصلهم انهم يستاهلوا (على مستوى ما) بزيادة.. دول بيرضعوا النرجسية مع اللبن.. بتتزرع فيهم النرجسية من طفولتهم زرعاً.. بيتنفسوها مع الهوا اللى بيتنفسوه فى بيوتهم..
 
انت عندك أم بتربى ابنها إنه ماينفعش يجيب لنفسه كباية ماية.. فما بالك بتنضيف مكانه وأكله وشربه وغسيله ومواعينه..
وعندك أب بييسمح لابنه يؤمر ويتحكم وأحياناً يضرب أخته الكبيرة.. ويسهر ويصيع ويصاحب ويتحرش.. ويتقاله برافو عليك انت كده راجل..
وعندك زوجة بيوصلها من طفولتها إنها ماينفعش تلبس ولا تخرج ولا تشتغل ولا تنام ولا تصحى إلا بأمر وموافقة ومباركة زوجها المقدس..
وعندك مجتمعات بتمنح كل الحقوق والمميزات اللى فى الدنيا للراجل.. وتمنعها تماماً عن المرأة..
 
ده يطلّع إيه بقى؟
 
يطلّع طبعاً شخصيات تغرق فى نرجسيتها.. وكائنات ذكورية تكاد تنفجر من تضخمها وانتفاخ ذاتها.. وزومبيز بشرية تعطى لنفسها حق الحياة.. وتحرم غيرها من مجرد الإحساس بالوجود..
يطلّع بنى آدمين مصدقين إنهم من درجة أعلى ومرتبة أسمى ولديهم عقل أرجح من بنى آدمين آخرين زيهم..
يطلّع واحد يشتم مراته ويهينها كل يوم.. ولما أقوله: “لو هى عملت زيك هاتعمل إيه” يقولى: “هاضربها على وشها بالقلم طبعاً.. إزاى تهين جوزها؟”
يطلّع حد يخون مراته كل ليلة ولما أسأله: “لو اكتشف إنك مرة مراتك بتخونك هاتعمل إيه؟” يقول: “هاطلقها أو هأقتلها بدون تفكير”.
يطلّع حد يقول لمراته “المفروض تحمدى ربنا إنى راضى بيكى ومعيشك معايا.. انتى المفروض تسجدى لى ليل ونهار”..
يطلع حد أول ما مراته تناقشه أو تراجعه أو تعترض على رأيه يقولها:”انتى هاتكلمينى راس براس؟ انتى هاتعاملينى الند للند؟”
 
إحنا بنصنع مسوخ ونوصلّهم إنهم أنصاف آالهة غير قابلين لمجرد اللمس.. Untouchables بمعنى الكلمة..
إحنا بنعلمهم رجولة مزيفة.. ونفهممهم إنها رجولة حقيقية..
إحنا بننفخهم هواء ملوث عطن.. ونسيبهم يختالوا ويتطايروا فى سماء النرجسية والغرور..
 
وتيجى بقى (رضوى الشربينى) فى ثانية، تضرب كل ده بدبوس حاد مسنون، وبكل ثقة وكبرياء.. علشان تتسبب فى جرح نرجسى مفاجئ وغائر وعميق Narcissistic Injury.. لا يكون له أى رد فعل غير ما يسمى بالNarcissistic Rage.. أو الغضب النرجسى.. وده حكاية لوحده..
 
————————————————–
الشخص النرجسى لما يحصله صدمة نفسية شديدة أو جرح نفسي عميق يمس ذاته المتضخمة، بيحس بتهديد شديد.. بيحس إن وجوده على وشك الانهيار.. وإن بنيانه وتكوينه على أعتاب التهاوى.. وده -فى الحقيقة- من كتير غلبه واحتياجه.. اللى مالقاش قدامهم غير الانكار والتعالى..
 
وعلشان وجوده الهش ماينهارش.. وعلشان يحمى بنيانه وتكوينه النفسي من التهاوى.. فهو بيستخدم كل أسلحته فى الرد.. ويسن كل أسنانه للهجوم.. فيما يعرف بال Narcissistic Rage.. شوية شتيمة.. شوية سخرية.. شوية إهانة.. شوية تطاول.. شوية تهديد.. وأحياناً بيصل الأمر إلى القتل.. انت قدام حد حاسس إنه لو مادافعش عن نفسه ممكن شخصيته تتفكك ويتجنن بمعنى الكلمة (يعنى تجيله هلاوس وضلالات).. أنت قدام حد المسألة بالنسبة له حياة أو موت.. انت فجرت البالونة وحطيت قدامها مراية.. وقولت: بص.. انت أهو..
 
اللى ارتبطت أو اتجوزت بواحد نرجسى.. تعرف الكلام ده كويس أوى..
 
طيب والستات اللى طلعت شتمت وسخرت وتطاولت؟
دى بقى حكاية تانية خالص.. اسمها (تقمص المعتدى).. لينا فيها كلام بعدين..
 
————————————————–
عاوزين تعالجوا ده؟
عاوزين تغيروه؟
ابدأوا من بيوتكم.. مع زوجاتكم وأمهاتكم.. مع أولادكم وبناتكم..
فهموهم إن الولد زى البنت..
علموهم إنهم الاتنين بنى آدميين..
علموهم يحترموا بعض..
علموهم إن الاحترام أهم من الحب..
وان الحب من غير احترام مايبقاش حب..
واننا كلنا متساويين قدام ربنا كأسنان المشط..
واننا كلنا مسئولين..
كلنا مسئولين..
 
د. محمد طه