من كام أسبوع.. كنت ماشى على الطريق الدائرى قبل الغروب بشوية.. لفت نظرى مجموعة كبيرة من الطيور اللى ظهرت فجأة فى السما.. توقعت انهم غالبا فى موسم هجرة أو ترحال بسبب تغير الجو..

حبيت التقط صورة ليهم.. طلعت الموبايل.. فتحت الكاميرا.. عملت زووم.. وفوجئت انهم مش طيور.. دى مجموعة هائلة من الطيارات الورق اللى ناس عمالين يطيروها من فوق سطوح بيوتهم.. بيوت بسيطة متواضعة ظاهرة من بعيد على جانبى الطريق..

مش فاهم.. هو فيه مسابقة طيارات ورق؟ فيه مناسبة معينة أنا ماعرفهاش؟ مالقيتش اجابة.. استمتعت بالمشهد.. ومشيت..

من أسبوع، وفى شارع كبير بالقاهرة الكبرى.. لقيت مجموعة مم الشباب على رصيف الطريق بيبيعوا طيارات ورق.. بيشاوروا للعربيات اللى ماشية، ويعرضوا عليهم أنواع وأشكال وألوان من الطيارات الجميلة جدا فى تصميمها وزخرفتها..

ايه يا جماعة هو فيه إيه؟ ده اختراع جديد طيب واللا إيه؟

بالبحث والسؤال.. لقيت اجابات وأخبار وتقارير فى بعض الصحف والمواقع عن “انتشار الطائرات الورقية فى سماء القاهرة ومعظم محافظات مصر”.. وماقتنعتش يالأسباب الظاهرية زى كسر الملل.. وقفلة القهاوى.. وتقضية وقت الفراغ..

***

المصريين عدى عليهم كل أنواع المحن.. من قدم التاريخ وحتى نهاية العالم.. استعمارات وحروب وثورات وإرهاب.. وأخيراً وباء عالمى أجبر الجميع على البقاء فى المنزل.. أو الخروج الحذر للعمل أو الوظيفة ثم الرجوع السريع برضه للبقاء فى المنزل..

دلوقت الأضواء بتطفى من المغرب.. أبواق السيارات والدراجات البخارية بتخفت من الساعة ٨ بالليل.. ونس الشوارع وصخب الحوارى مابقاش موجود.. أصوات الناس خارج الأبواب المغلقة أصابها الخرس..

المصريين بيحبوا الحياة.. بيعيشوا على الأمل.. بيقدسوا النور..

المصريين نقشوا تاريخهم على حجارة، ونقوشهم عاشت أطول من التاريخ نفسه..

أسسوا حياة كاملة من زراعة وصناعة وفنون وعلوم وفلك حول شريط ضيق من المياه..

المصريين أول من آمن بوجود حياة بعد الموت.. لأنهم بيحبوا الحياة.. زى ما بيحترموا الموت..

الوعى الجمعى المصري، الممتد عبر السنين، قرر – فى أزمة كورونا- وبغير اتفاق أو تحضير أو ترتيب.. انه ما يتخلاش عن الأمل.. ومايستسلمش لانطفاء الأنوار..

العقل الباطن المصرى، السارى عبر الأجيال، قرر يبدع.. ويبتكر.. بكل تلقائية وبساطة.. رمز عبقرى للأمل..

اليد المصرية الأصيلة، اللى لا تخلو من فن وسحر وإبداع، قررت تنسج من خيوط الطائرات الورقية.. خيوط للحياة..

يا الله..

***

فيه مخرج أجنبى عبقرى اسمه (جون وو) John Woo.. أخرج أفلام أكشن شهيرة زى Mission impossible 2 و Paycheck و Face off.. (جون وو) مشهور فى إخراجه بحاجة غرببة جداً..

فى عز مشاهد الأكشن.. وفى أصعب لحظات القتال.. بيظهر فى الكادر حَمَام.. آه والله.. حمام.. Doves.. وبيفسر النقاد والمحللين ده بإنه رمز للأمل بعد الصعوبة.. والحل بعد تمام التعقيد.. والبداية الجديدة بعد انتهاء المعضلة.. وبيقول (وو) نفسه عن ده إنه رمز لنقاء أرواح أبطال الخير فى الفيلم.. ورمز لرسل السلام الالهية وقت المعارك..

قادر تشوف الشبه بين الطيارات الورق.. وطيور السلام والأمل؟؟

***

ماينفعش مافتكرش دلوقت كلمات أغنية من أجمل وأقرب الأغانى إلى قلبى.. للجميل الطيب علاء عبدالخالق.. بترن فى ودانى كل ما أشوف طيارة ورق فى السما:

قلبى طيارة ورق.. قلبك طيرها لفوق
واللا أنا قلبى عشق.. يطلع من شوق على شوق..

دوقنى طعم الندى.. من قلب كله خضار..
صوت الغريب ابتدى.. يبقى له أهل ودار..

قلبى الغريق ابتدى.. يمسك عيونك طوق..
قلبى.. طيارة ورق..

***
مصر مش بتنكسر..

د. محمـد طــه