فيه حاجة اتكلم عنها عالم النفس الشهير كارل جوستاف يونج اسمها Archetypes.. بمعنى نماذج وأطر معينة موجودة فى طبقة عميقة جدا من عقلنا الباطن.. موجودة عندنا كلنا.. عند كل البشرية من بدايتها وعلى مر تاريخها واختلاف ثقافتها.. الطبقة دى اسمها اللاوعى الجمعى collective uncoscious.
الموضوع ده معقد جداً.. لكنه باختصار بيعبر عن صور/أشكال/توقعات/استعدادات نموذجية ثابتة لبعض الخبرات المتراكمة والمتوارثة عبر الأجيال.. يعنى لما أقول كلمة (الرجل الحكيم الكبير).. كلنا/أغلبنا هايظهر فى ذهننا صورة راجل شعره أبيض ودقنه بيضا.. وغالبا لابس أبيض فى أبيض.. لما أقول كلمة (البطل).. على طول هاتنط فى ذهننا معانى الشهامة والشجاعة والتضحية والإيثار.. لما أقول (أم).. أو (عذراء/عزباء).. وهكذا.. كل صورة/نموذج/مجموعة معانى من دى اسمها Archetype..
المهم.. فيه Archetype شهير اسمه The Outlaw يعنى (الخارج عن القانون).. وده نموذج متوارث فى العقل الجمعى للبشر كلهم بيمثل الشخص اللى مش بيلتزم بالقوانين ولا بيعترف بالأعراف الاجتماعية ولا بيحترمها.. لكنه بالرغم من كده بيسعى لتحقيق العدل (بمفهومه الخاص) ورد الحقوق (بطريقته الخاصة) وجلب الخير الناس (من وجهة نظره هو).. بيستخدم أى أسلوب- حتى لو كان غريب.. علشان يوصل لمسعاه.. ويسلك أى سلوك- حتى لو كان اجرامى.. علشان يحقق اللى هو عاوزه.. هو معيار نفسه فيما يخص الأخلاق.. وهو بوصلة نفسه فيما يخص مفاهيم الحياة والحب.. آه.. بمناسبة الحب.. الoutlow دايما بيحب واحدة جميلة ومختلفة حب قوى جداً.. لكن فيه ظروف ومصاعب كتير بتواجهه ويواجهها ويتحداها وينتصر عليها علشان يوصل لحبيبته فى الآخر.. وهنا بيلتقى ال Archetype بتاع ال outlaw بال Archytpe بتاع الMaiden.. أو العذراء/العزباء/الحبيبة.. وأهى كلها Archetypes.
أسهلها شوية..
روبين هود هو Outlaw Archetype.. على الزيبق برضه Outlaw Archetype.. زورو Zoro.. حسن الهلالى.. جيمس بوند.. ايثان هانت بتاع mission impossible.. توماس كراون بتاع Thomas Crown Affair.. بعض فتوات حارات نجيب محفوظ..
ماهو الأدب والقصص والرويات والدراما بتستلهم شخصياتها فى كتير من الأحيان من الأرشيف التاريخى الضخم الموجود فى عقل البشرية جميعها والمتوارث عبر الأجيال.. واللى سماه يونج Collective Unconscious.
كل حبيبة فى فيلم أو أغنية أو مسلسل هى إحدى صور ال Maiden Archetype (نموذج/إطار/توقع الحبيبة-العزباء).. كريمة مختار اشتهرت فى دور الأم الطيبة الحنون لأنها قدرت تلمس بكل براعة ال Mother Archetype (نموذج/إطار/توقع الأم) الموجود والمتوارث فى عقلنا الجمعى.. رشوان توفيق بقى صدى ال Wise Old Man Archetype الموجود جوانا.. وماشى على خطاه دلوقت نبيل الحلفاوى..
وبعدين؟
أقولك وبعدين.. ونرجع تانى لل Outlaw بعد هذه الفرشة الطويلة العريضة..
مشكلة الOutlaw Archetype انه بيمثل فى العقل الجمعى فى كتير من الأحيان نموذج البطل الشعبى- رغم خروجه عن القانون.. بل وتحديه للقانون أحيانا (رجل القانون بالنسبة له Villan-شرير).. بيخاطب فى جموع الناس التمرد والعنف والرغبات البدائية- رغم عدم أخلاقيتها ولا سواءها.. بيلمس المشاعر بتعرضه للظلم فى أول القصة ثم عودته المنتظرة للانتقام فى آخرها.. بيلعب على أوتار النرجسية والانتشاء بالنفس وانتفاخ الأنا.. فى تسلسل درامى نفسي جسدى متصاعد يصل فى آخره لما يشبه النشوة الجنسية فى لحظات أوجها وزهوتها..
نموذج محبوب ومرغوب فى خيال طفولى غير ناضج.. بطل من ورق مخضب بالدماء.. نمبر واحد فى حياة بدائية غارقة فى النرجسية..
طيب.. ال Outlaw Archetype فى ثقافات/مجتمعات أخرى -وحتى فى مجتمعنا زمان- بقى شئ غير واقعى وغير عملى ومالهوش مكان غير فى بعض أفلام الأكشن والسسبنس.. شخصية خيالية غير قابلة للتحقق على أرض الواقع.. نموذج ترفيهى مش حلم شخصي.. ساعتين فى السينما مش بطل شعبى.. مادة للتندر والكوميديا أحياناً مش مادة للتقمص والتقليد إطلاقاً..
ده بقى سببه تقدم حضارى.. تطور عقلى.. نضج نفسي.. مش مشكلتنا.. انما مشكلتنا اننا لسه -كعقل جمعى- ماوصلناش للمرحلة دى.. لسه شوية.. (ده مش معناه مدح ولا تقديس للغير- هما عندهم بلاوى زرقا تانى بمعنى الكلمة.. لكنه رؤية للواقع بشكل موضوعى- من وجهة نظر شخصية).
ماينفعش على الإطلاق -فى مجتمعنا دلوقت- نعمل من بلطجى فى عمل درامى بطل.. ماينفعش بأى شكل من الأشكال -فى مرحلة نمونا النفسي المجتمعى الحالية- نزين ونحلى صورة الخارج عن القانون.. مايمشيش أبداً ان اللى بيجيب حق أهل الحارة يبقى ماسك سنجة.. ولا اللى بيرفع الظلم (من وجهة نظره) يعمل كده بالدم.. ولا اللى بيوصل لحبيبته أو بيدافع عنها أو بيحميها يكون متحرش لسانه تقيل من المخدرات..
احنا بنخاطب أحد أعمق طبقات الوعى.. وده خطر..
بنلمس صورة قديمة متجذرة في عقول البشر حتى النخاع.. ودى مجازفة..
بندوس على زراير سلوكيات بدائية للغاية.. وده ممكن يودينا فى داهية..
بنصحى العفريت اللى نايم فى القمقم من سنين.. علشان يطلع يلبسنا كلنا..
غيرنا قدر يتجاوز ده.. ويختزله لمادة فيلمية ودرامية وخلاص..
لكن احنا لسه بنصدق ونتفاعل ونهلل ونبكى ونغرق فى الأحداث.. وكأنها حقيقة..
غيرنا بيستخدم (العقلنة) كوسيلة دفاع نفسية ضد الحيرة والتناقض..
لكننا لسه بنستخدم (التقمص) و (الاندفاعية) و (الهيستيرية)..
والله دى مش وصاية على الفن ولا الإبداع.. بس احترام للواقع..
ولا تسلط أو فرض رأى.. بس قراءة نفسية (شخصية) من متخصص..
ولا مثالية والله.. بس خضة واستغراب وخوف.. رعب..
الكلمة ليها مسئولية..
الصورة ليها مسئولية..
الرسالة اللى بتوصل ليها مسئولية..
مشهد جريمة الاسماعيلية البشع وراه عوامل وأسباب كتير جدا.. أرى إن ده من أهمها وأعمقها.. بدون اختزال أو تقليل من شأن باقى العوامل طبعاً.. اللى منها المخدرات.. واحتمالات المرض العقلى..
لو محدش شاف.. وحلل.. وفهم.. فاللى جاى أصعب.. وأغرب.. وأبشع..

 

د. محمــد طـــه