خلينا نتفق الأول شوية اتفاقات..
لما حضرتك تقف قدام فاترينة.. ويجذب نظرك القميص الأزرق اللى هناك ده.. واللى شكله كلاسيك أكتر منه كاجوال.. واللى زرايره بيضا مش زرقا بنفس لونه.. اختيارك بيقول حاجة عن شخصيتك.. خاصة لو كان اختيار متكرر فى ظروف وسياقات مختلفة.. يعنى تميل للون الأزرق فى حاجات تانية.. ومعظم لبسك كلاسيك.. وبتحب التفاصيل البيضا الصغيرة..
الأزرق بيدل على الهدوء والوداعة.. الكلاسيك معناه التحفظ.. والتفاصيل البيضا الصغيرة وراها نقاء وبراءة..
طبعا دى مش قاعدة عامة.. لكنها علامات واشارات مبدئية ليها -بالتأكيد- استثناءات..
فيه دراسة اتعملت سنة 2015 على تفضيلات بعض الناس لحجم وشكل السيارة اللى بيحبوا يركبوها.. من النتائج اللطيفة فى الدراسة دى.. انهم وجدوا ان الأشخاص اللى بيميلوا للعربيات الرياضية، بتتسم شخصيتهم -فى الأغلب- بقدر كبير من حب المخاطرة والمغامرة.. والأشخاص اللى بيحبوا العربيات الصغيرة أو عربيات الSUV بيكون جواهم بعض الشعور بالوحدة.. والأشخاص اللى بيفضلوا عربيات من نوعية الminivan بتميل تركيبتهم النفسية للهدوء والسكينة.. فيه دراسات تانية اتعملت على العلاقة بين نوع الشخصية ونوع وموديل العربية اللى بتفضلها..
تفضيلاتك -حتى فى شكل وحجم ونوع السيارة- ليها دلالة على تركيبتك النفسية..
فى فيلم Focus للمبدع ويل سميث.. بتكتشف فى نهاية الفيلم ان الاختيار اللى قرره بطل الفيلم للمراهنة (لاعب رقم 55).. كان نتيجة ايحاءات واشارات وعلامات تم وضعها أمامه طول مشاهد الفيلم وفى سياقات مختلفة كتير بنفس الرقم (بوستر فى الاسانسير- تى شيرت حد لابسه فى الشارع- نجفة- بادج عامل الفندق- اعلان على تاكسي……) علشان عقله الباطن يحفظها.. وذاكرته الداخلية تخزنها.. ويتحول الرقم ده لجزء أصيل من تركيبة وعيه.. ويختاره فى لحظة القرار.. فى عملية نفسية معقدة جداً اسمها Priming..
عقلك الباطن.. بيعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..
باااااس.. هو ده..
عقلك الباطن.. يعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..
***
لمع مؤخراً نجم المغنى الشاب (ويجز).. واللى يبدو -رغم إنى بأدعى قربي من جيل الشباب ونفسيتهم- إنه بيعبر عن جيل مختلف تماماً.. معظمه أصغر من الجيل اللى أصغر منى
ويجز بيتكلم لغة مختلفة- وربما محيرة.. وبيلبس ملابس غريبة- صادمة أحياناً (من وجهة النظر السائدة).. وبيتهاجم على ده وده..
كل ده عادى وطبيعى ومفهوم.. كتير من المطربين والفنانين المعروفين والمشهورين والناجحين جداً اتشافوا الأول على انهم بيقدموا اسفاف.. واتقال عليهم فى بداياتهم انهم هايبوظوا الفن.. وهايهبطوا بالذوق العام.. من أول عبدالحليم حافظ.. لغاية عمرو دياب وتامر حسنى.. أنا فاكر فى أحد لقاءات أحد نجوم جيلى.. اتسأل: انت ليه بتلبس ترينيج سوت فى أغانيك.. قال بكل بساطة: والله أنا ممكن أجيب بدلة وكرافتة أعلقهم جمبى وأنا باغنى.. واللى عاوز يتفرج عليهم يتفرج.
أنا شخصيا كنت (ولازلت) باعشق العبقرى المبدع حميد الشاعرى.. ولغاية النهاردة فاكر تعليقات وسخرية والدى -الله يرحمه- منه ومن اللى بيقدمه..
أمال إيه الموضوع؟ إيه الحكاية؟
الموضوع -كما أراه- فى مدى انتشار ظاهرة (ويجز) بين عشرات بل مئات الآلاف- وربما ملايين الشباب اللى معظمهم حرفياً أندر-ايج.. ومدى ظهور وشيوع كلماته وألحانه بشكل ساحق فى جيل، أنا أؤكد لكم اننا مانعرفش عن تركيبته النفسية أى حاجة.. خالص.. (أندر-ايج هنا وصف وليس حكم)..
وبعدين يعنى؟ إيه المشكلة؟ ما كل النماذج والأسماء اللى انت كاتبها فوق دى بدأت كده؟
صح.. انت صح.. اصبر بس.. وأنا جايلك فى الكلام..
بس اقرا الأول كلمات آخر أغانى (ويجز) الشهيرة.. واللى تم سماعها ومشاهدتها مؤخراً ملايين المرات فى ساعات معدودة..
عيني منها بشكل جدي
وتقيلة مش تقلانة اتبخر سحري
ومش باجي علي بالها ومفكرتشي
انا بالي فيها بابا بالي مش ملكي
بلعب البخت سالتها ورفضتني
استغربتها امال فين هيبتي
حبيبي انا بضحك علي خيبتي
ياخي كنت ع الثبات وهزتني
واللي فات ده كان سحري
مش باجي علي بالها ان جت سيرتي
انا بالي معاها مش ملكي
قالت كلام قبل اما تشوفني
انا عارفني صعب ومش مفهوم
كلامي دبش او مش موزون
او بتحب حد والبال مشغول
مشوفتهاش ولا حد يلومني
ملاك برئ ولا انا مخدوع
هي توتر ولا انا مهزوز
طب اذاها حد والكل مرفوض
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
اخلي الجاي ورود وشموع
يتغنالها وبصوت مسموع
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
انسيك ماضي كله دموع
ولا مقدرش اسيبك موجوع
سحرتني ولا سحرتلي
سحرتني ولا سحرتلي
عيون مش محتاجة تسحرلي
عيون مش محتاجة تسحرلي
ومش عايزة تجيبني بس جابتني
ومش عايزة تجيبني بس جابتني
ونسيتني وف قصتي حبستني
والله ووقعت بفكر فيك كتير
بالي عليك مشغول
وانا بتصعب عليا حالي
وانا بكتبلك كلام معسول
بعيد عن عيني وياعيني
مع غيري ومش مبسوط
دنا اضيع عمري يا عمري
واحبك حب مش مشروط
لا تلاقي عندي وعود كدابة
وكبرت علي ولاشئ مضمون
كلامي علي قد اللي معايا
وفي الحب مستناش مردود
براحة علي قلبي المكسور
اللي مشكلته انه فيك مسحول
مين اختار اللي عينيك عملوه
وده مش ذنبي انا صحيت محطوط
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
انسيك ماضي كله دموع
ولا مقدرش اسيبك موجوع
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
انسيك ماضي كله دموع
ولا مقدرش اسيبك موجوع
***
ملاحظ إيه فى الكلام ده؟
مش قصدى الكلمات الغريبة والتعبيرات غير المعتادة.. مش قصدى (دبش.. ومسحول.. ومحطوط.. وفى أغنية تانية: باظت خالص..)..
اقرا الكلام تانى كده..
هاتحس وانت بتقرا أو بتسمع الكلام ان دماغك بيحصل جواها حاجة كده انت مش فاهمها بالظبط.. حاجة مش هاتعرف تمسكها بإيدك وتديها اسم.. كأنها بتهنّج.. حالة من الerror العقلى.. البعترة النفسية.. حاجة بتتلخبط جوه مخك.. حاجة بتتفكك.. أيوه.. ده أقرب وصف..
ركز كده تانى.. هو ده اسم اللى حسيته لما قريت/سمعت الكلمات: حاجة بتتفكك..
طيب ولما مئات الآلاف من الناس يميلوا لكلام غير مترابط..
و لما ملايين الشباب يستهويهم جمل مفككة عن بعضها..
ولما كل دول يمتعهم التفكك والتفسخ واللخبطة..
ده معناه إيه؟
عاوز تقول إيه يا دكتور؟
وإيه علاقة ده ب(عقلك الباطن.. يعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..) اللى بدأت بيها الكلام؟
هاقول أهو..
***
رواد مدرسة الself psychology فى علم النفس بيفترضوا اننا لما بنتولد بتكون نفسنا البشرية عبارة عن fragmented nuclei of functions.. أنوية/عناصر وظيفية مفككة.. يعنى جزء نفسي مسؤل عن الشعور.. جزء آخر مسؤل عن الفهم.. جزء تالت مسؤل عن الإدراك.. جزء عن التفكير.. جزء عن التعلم.. وهكذا.. والأجزاء أو العناصر دى ماتعرفش بعض.. كل واحد فيهم شغال لوحده.. مافيش بينهم ترابط.. لغاية ما تيجى بعض الخبرات الحياتية، تساهم فى قربهم وانسجامهم مع بعض.. وارتباطهم.. واندماجهم فيما يعرف لاحقاً بالcohesive self.. النفس المتماسكة.
من أكتر الحاجات اللى بتساعد أجزاء أنفسنا المختلفة انها تفضل متماسكة ومترابطة ومندمجة وتعمل ككل واحد.. انه يكون عندك مبادئ معينة ماشى عليها.. مؤمن بمعتقدات معينة (مش لازم دينية فقط) وموقن بيها.. تعتنق أفكار بعينها ومصدق فيها.. وده بينعكس على مشاعرك وسلوكك وحياتك بشكل يومي.
وبيحصل من حين لآخر -وبشكل طبيعى وصحي- وتحت ضغوط ومؤثرات واختبارات وتجارب الحياة، ان هذا التماسك يتخلخل.. وهذا الترابط النفسي يتفكك (قليلاً).. وهذا الاندماج الداخلى يتباعد (بدرجة معقولة).. فى حركة نفسية داخلية مهمة جداً بيسميها أستاذنا دكتور يحي الرخاوى (تعتعة).. ثم ترجع بعدها نفسنا تترابط وتتماسك وتندمج مرة أخرى.. على مستوى أعلى من النمو والنضج النفسي.. وهكذا.. فى دورة نفسية متكررة تشبه دورة الحياة.. ونبضات عقلية متلاحقة تشبه نبضات القلب.. فى اتجاه النمو النفسي السليم وتطور الوعي الطبيعى..
على فكرة.. عملية الإبداع بتمر بنفس المراحل دى.. نوبات من التفكك وإعادة البناء.. بس بتفاصيل وعلى مستويات مختلفة شوية.. نتكلم عنها بعدين..
وارد جداً طبعاً لو كانت المؤثرات ضخمة.. أو الصدمات والضربات النفسية قوية.. أو اختبارات الحياة أصعب من الاستيعاب والتجاوز.. ان التفكك النفسي يزيد عن الحد.. والتباعد الداخلى يتعدى التحمل.. والخلخلة العقلية لا يتبعها إعادة بناء.. لينتهى الأمر بأن تتمزق نفوسنا بدرجات مختلفة.. وتصيب أرواحنا درجات متفاوتة من (التفسخ).. ويحصلنا -بتعبير أستاذى د. رفعت محفوظ- فشل عقلى حاد.. وتظهر علامات المرض النفسي.. بداية من الاكتئاب.. وحتى الفصام (اللى اسمه بيوصف الكلام بوضوح دلوقت)..
بالمناسبة.. من أعراض الفصام الشهيرة حاجة اسمها Loose Association.. بمعنى عدم ترابط الجمل والتعبيرات اللى بيقولها الشخص اللى قدامك.. هو بيقول جمل أو كلمات أو أفكار.. كل واحدة منهم ليها معنى لوحدها.. لكن التنقل بينهم بيحصل فجأة وبلا تمهيد.. مافيش ربط واضح ومباشر بينهم.. بينط من فكرة لفكرة ومن جملة لجملة برعونة وبدون منطق.. وده بيعبر بوضوح عن حالة التفكك والتفسخ الداخلى اللى بيعيشها الشخص..
قبل ما تستنتج..
كلامى مش معناه خالص ان أغنية ويجز تعبر عن فصام.. أو إن فيها أى علامات لأى شئ مرضي.. مش ده المقصود خالص.. مش ويجز المقصود خالص أصلاً..
اللى أنا عمال أتكلم عنه.. وأشاور عليه.. وأفرد ليه كل هذه المقدمة الطويلة العريضة.. مش ويجز.. ولا عقل ويجز.. ولا وعي ويجز..
أنا باتكلم عن العقل (الجمعى) لعشرات ومئات الآلاف.. اللى مالوا لهذه التركيبة الكلامية (المفككة).. وعجبتهم.. وسمعوها.. وأعادوها.. وكرروا سماعها وإعادتها مرات ومرات..
باشاور على الوعي (المشترك) لأعداد ساحقة من الشباب.. اللى استهواهم عدم ترابط الكلام.. ولا اتساق الموسيقى.. استهواهم وحبوه ومزاجهم اتبسط بيه..
باوصف وأحلل انجذاب كل هؤلاء (الاندر-ايج) لصياغات تستعصى على الاستساغة النفسية.. وتفضيل تكوينات تستعصى على الهضم العقلى..
أنا فردت كل هذه المقدمة الطويلة لمحاولة فهم ما يمكن أن يعبر عنه الاختيار ده.. فى اللحظة دى.. فى المجتمع ده..
وده مش حكم.. ولا وصاية على أذواق الناس.. ولا رجعية أو اغتراب عن الفن أو الابداع.. خالص.. دى محاولة متواضعة جداً للرؤية والترجمة- قد تخطئ وقد تصيب..
***
نلم بقى الدنيا.. ونلخص الأمور.. ونرجع للى اتفقنا عليه: “عقلك الباطن.. يعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..”
وبناء عليه..
تفتكر العقل الباطن (الجمعى) لهؤلاء المئات الآلاف (أو الملايين كما يرى البعض).. ومن خلال هذا الاختيار.. واللى أنا شايف وأؤكد انه هايتكرر كتير جداً فى الفترة القادمة.. بيعبر عن إيه؟
بيعبر عن ان فيه دورة نفسية مجتمعية جديدة قد بدأت بالفعل.. لكنها مش دورة نفسية عادية.. دى تسونامى نفسي ضخم.. لا يعترف بأى تركيبات مسبقة.. أو حدود متعارف عليها.. التركيبات تفككت.. والحدود تفسخت..
بيقول ان النبض العقلى الحالى عالى.. وان الخلخلة الروحية متصاعدة.. والتعتعة المرة دى جامدة..
بيقول ان القشرة الأرضية المصنوعة من أفكارى وأفكارك.. ومبادئي ومبادئك.. وقيمى وقيمك.. توشك على التصدع.. بل تصدعت فعلاً.. بأفكار ومبادئ وقيم احنا ماكناش نعرف عنها حاجة.. ولا زلنا لا نتخيل انها موجودة أصلاً.. وأهلاَ بموجات قادمة من الزلازل النفسية والبراكين العقلية.
الموروث بيخضع للأسئلة.. أسئلة عنيفة توشك أن تقتلعه من الجذور..
والمتعارف عليه بيُعاد تفنيده وتعريفه.. مع عدم الاعتراف بأي محددات مسبقة..
واللى كان (بما لا يدع مجالاً للشك) زمان.. بقى مجالاً واسعاً للشك والفحص والتمحيص..
مش ده العادى يا دكتور؟
مش كل النقلات بين الأجيال بيحصل فيها كده؟
لا.. ده غير العادى.. ده مالهوش أى علاقة بالعادى..
العالم.. والتواصل.. والوعي.. دلوقت.. فى حتة تانية خااااالص..
الميل للتفكك.. يعبر عن تفكك داخلى (أو احتمال تفكك)..
حب التفسخ وعدم الترابط.. يشي بتفسخ وعدم ترابط (قائم أو قادم)..
الانجذاب للخبطة.. يعلن عن لخبطة (موجودة أو محتملة)..
طيب نعمل إيه يا دكتور؟
لا لا.. ماتسألنيش أنا السؤال ده..
هو انت مش واخد بالك..
ان الشخص اللى انت بتقراله دلوقت..
أديله سبع سنين..
بيكتب طب نفسي.. وعلم نفس.. ووعي نفسي..
بالعامية ؟!
وأول ما نشر من كتاب..
كان عنوانه:
“الخروج عن النص”؟!د. محمـــد طــه
لما حضرتك تقف قدام فاترينة.. ويجذب نظرك القميص الأزرق اللى هناك ده.. واللى شكله كلاسيك أكتر منه كاجوال.. واللى زرايره بيضا مش زرقا بنفس لونه.. اختيارك بيقول حاجة عن شخصيتك.. خاصة لو كان اختيار متكرر فى ظروف وسياقات مختلفة.. يعنى تميل للون الأزرق فى حاجات تانية.. ومعظم لبسك كلاسيك.. وبتحب التفاصيل البيضا الصغيرة..
الأزرق بيدل على الهدوء والوداعة.. الكلاسيك معناه التحفظ.. والتفاصيل البيضا الصغيرة وراها نقاء وبراءة..
طبعا دى مش قاعدة عامة.. لكنها علامات واشارات مبدئية ليها -بالتأكيد- استثناءات..
فيه دراسة اتعملت سنة 2015 على تفضيلات بعض الناس لحجم وشكل السيارة اللى بيحبوا يركبوها.. من النتائج اللطيفة فى الدراسة دى.. انهم وجدوا ان الأشخاص اللى بيميلوا للعربيات الرياضية، بتتسم شخصيتهم -فى الأغلب- بقدر كبير من حب المخاطرة والمغامرة.. والأشخاص اللى بيحبوا العربيات الصغيرة أو عربيات الSUV بيكون جواهم بعض الشعور بالوحدة.. والأشخاص اللى بيفضلوا عربيات من نوعية الminivan بتميل تركيبتهم النفسية للهدوء والسكينة.. فيه دراسات تانية اتعملت على العلاقة بين نوع الشخصية ونوع وموديل العربية اللى بتفضلها..
تفضيلاتك -حتى فى شكل وحجم ونوع السيارة- ليها دلالة على تركيبتك النفسية..
فى فيلم Focus للمبدع ويل سميث.. بتكتشف فى نهاية الفيلم ان الاختيار اللى قرره بطل الفيلم للمراهنة (لاعب رقم 55).. كان نتيجة ايحاءات واشارات وعلامات تم وضعها أمامه طول مشاهد الفيلم وفى سياقات مختلفة كتير بنفس الرقم (بوستر فى الاسانسير- تى شيرت حد لابسه فى الشارع- نجفة- بادج عامل الفندق- اعلان على تاكسي……) علشان عقله الباطن يحفظها.. وذاكرته الداخلية تخزنها.. ويتحول الرقم ده لجزء أصيل من تركيبة وعيه.. ويختاره فى لحظة القرار.. فى عملية نفسية معقدة جداً اسمها Priming..
عقلك الباطن.. بيعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..
باااااس.. هو ده..
عقلك الباطن.. يعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..
***
لمع مؤخراً نجم المغنى الشاب (ويجز).. واللى يبدو -رغم إنى بأدعى قربي من جيل الشباب ونفسيتهم- إنه بيعبر عن جيل مختلف تماماً.. معظمه أصغر من الجيل اللى أصغر منى
ويجز بيتكلم لغة مختلفة- وربما محيرة.. وبيلبس ملابس غريبة- صادمة أحياناً (من وجهة النظر السائدة).. وبيتهاجم على ده وده..
كل ده عادى وطبيعى ومفهوم.. كتير من المطربين والفنانين المعروفين والمشهورين والناجحين جداً اتشافوا الأول على انهم بيقدموا اسفاف.. واتقال عليهم فى بداياتهم انهم هايبوظوا الفن.. وهايهبطوا بالذوق العام.. من أول عبدالحليم حافظ.. لغاية عمرو دياب وتامر حسنى.. أنا فاكر فى أحد لقاءات أحد نجوم جيلى.. اتسأل: انت ليه بتلبس ترينيج سوت فى أغانيك.. قال بكل بساطة: والله أنا ممكن أجيب بدلة وكرافتة أعلقهم جمبى وأنا باغنى.. واللى عاوز يتفرج عليهم يتفرج.
أنا شخصيا كنت (ولازلت) باعشق العبقرى المبدع حميد الشاعرى.. ولغاية النهاردة فاكر تعليقات وسخرية والدى -الله يرحمه- منه ومن اللى بيقدمه..
أمال إيه الموضوع؟ إيه الحكاية؟
الموضوع -كما أراه- فى مدى انتشار ظاهرة (ويجز) بين عشرات بل مئات الآلاف- وربما ملايين الشباب اللى معظمهم حرفياً أندر-ايج.. ومدى ظهور وشيوع كلماته وألحانه بشكل ساحق فى جيل، أنا أؤكد لكم اننا مانعرفش عن تركيبته النفسية أى حاجة.. خالص.. (أندر-ايج هنا وصف وليس حكم)..
وبعدين يعنى؟ إيه المشكلة؟ ما كل النماذج والأسماء اللى انت كاتبها فوق دى بدأت كده؟
صح.. انت صح.. اصبر بس.. وأنا جايلك فى الكلام..
بس اقرا الأول كلمات آخر أغانى (ويجز) الشهيرة.. واللى تم سماعها ومشاهدتها مؤخراً ملايين المرات فى ساعات معدودة..
عيني منها بشكل جدي
وتقيلة مش تقلانة اتبخر سحري
ومش باجي علي بالها ومفكرتشي
انا بالي فيها بابا بالي مش ملكي
بلعب البخت سالتها ورفضتني
استغربتها امال فين هيبتي
حبيبي انا بضحك علي خيبتي
ياخي كنت ع الثبات وهزتني
واللي فات ده كان سحري
مش باجي علي بالها ان جت سيرتي
انا بالي معاها مش ملكي
قالت كلام قبل اما تشوفني
انا عارفني صعب ومش مفهوم
كلامي دبش او مش موزون
او بتحب حد والبال مشغول
مشوفتهاش ولا حد يلومني
ملاك برئ ولا انا مخدوع
هي توتر ولا انا مهزوز
طب اذاها حد والكل مرفوض
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
اخلي الجاي ورود وشموع
يتغنالها وبصوت مسموع
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
انسيك ماضي كله دموع
ولا مقدرش اسيبك موجوع
سحرتني ولا سحرتلي
سحرتني ولا سحرتلي
عيون مش محتاجة تسحرلي
عيون مش محتاجة تسحرلي
ومش عايزة تجيبني بس جابتني
ومش عايزة تجيبني بس جابتني
ونسيتني وف قصتي حبستني
والله ووقعت بفكر فيك كتير
بالي عليك مشغول
وانا بتصعب عليا حالي
وانا بكتبلك كلام معسول
بعيد عن عيني وياعيني
مع غيري ومش مبسوط
دنا اضيع عمري يا عمري
واحبك حب مش مشروط
لا تلاقي عندي وعود كدابة
وكبرت علي ولاشئ مضمون
كلامي علي قد اللي معايا
وفي الحب مستناش مردود
براحة علي قلبي المكسور
اللي مشكلته انه فيك مسحول
مين اختار اللي عينيك عملوه
وده مش ذنبي انا صحيت محطوط
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
انسيك ماضي كله دموع
ولا مقدرش اسيبك موجوع
ولا ايه القصة حبيبي فيدني
واللي اذوك ياما حبيبي سيبني
انسيك ماضي كله دموع
ولا مقدرش اسيبك موجوع
***
ملاحظ إيه فى الكلام ده؟
مش قصدى الكلمات الغريبة والتعبيرات غير المعتادة.. مش قصدى (دبش.. ومسحول.. ومحطوط.. وفى أغنية تانية: باظت خالص..)..
اقرا الكلام تانى كده..
هاتحس وانت بتقرا أو بتسمع الكلام ان دماغك بيحصل جواها حاجة كده انت مش فاهمها بالظبط.. حاجة مش هاتعرف تمسكها بإيدك وتديها اسم.. كأنها بتهنّج.. حالة من الerror العقلى.. البعترة النفسية.. حاجة بتتلخبط جوه مخك.. حاجة بتتفكك.. أيوه.. ده أقرب وصف..
ركز كده تانى.. هو ده اسم اللى حسيته لما قريت/سمعت الكلمات: حاجة بتتفكك..
طيب ولما مئات الآلاف من الناس يميلوا لكلام غير مترابط..
و لما ملايين الشباب يستهويهم جمل مفككة عن بعضها..
ولما كل دول يمتعهم التفكك والتفسخ واللخبطة..
ده معناه إيه؟
عاوز تقول إيه يا دكتور؟
وإيه علاقة ده ب(عقلك الباطن.. يعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..) اللى بدأت بيها الكلام؟
هاقول أهو..
***
رواد مدرسة الself psychology فى علم النفس بيفترضوا اننا لما بنتولد بتكون نفسنا البشرية عبارة عن fragmented nuclei of functions.. أنوية/عناصر وظيفية مفككة.. يعنى جزء نفسي مسؤل عن الشعور.. جزء آخر مسؤل عن الفهم.. جزء تالت مسؤل عن الإدراك.. جزء عن التفكير.. جزء عن التعلم.. وهكذا.. والأجزاء أو العناصر دى ماتعرفش بعض.. كل واحد فيهم شغال لوحده.. مافيش بينهم ترابط.. لغاية ما تيجى بعض الخبرات الحياتية، تساهم فى قربهم وانسجامهم مع بعض.. وارتباطهم.. واندماجهم فيما يعرف لاحقاً بالcohesive self.. النفس المتماسكة.
من أكتر الحاجات اللى بتساعد أجزاء أنفسنا المختلفة انها تفضل متماسكة ومترابطة ومندمجة وتعمل ككل واحد.. انه يكون عندك مبادئ معينة ماشى عليها.. مؤمن بمعتقدات معينة (مش لازم دينية فقط) وموقن بيها.. تعتنق أفكار بعينها ومصدق فيها.. وده بينعكس على مشاعرك وسلوكك وحياتك بشكل يومي.
وبيحصل من حين لآخر -وبشكل طبيعى وصحي- وتحت ضغوط ومؤثرات واختبارات وتجارب الحياة، ان هذا التماسك يتخلخل.. وهذا الترابط النفسي يتفكك (قليلاً).. وهذا الاندماج الداخلى يتباعد (بدرجة معقولة).. فى حركة نفسية داخلية مهمة جداً بيسميها أستاذنا دكتور يحي الرخاوى (تعتعة).. ثم ترجع بعدها نفسنا تترابط وتتماسك وتندمج مرة أخرى.. على مستوى أعلى من النمو والنضج النفسي.. وهكذا.. فى دورة نفسية متكررة تشبه دورة الحياة.. ونبضات عقلية متلاحقة تشبه نبضات القلب.. فى اتجاه النمو النفسي السليم وتطور الوعي الطبيعى..
على فكرة.. عملية الإبداع بتمر بنفس المراحل دى.. نوبات من التفكك وإعادة البناء.. بس بتفاصيل وعلى مستويات مختلفة شوية.. نتكلم عنها بعدين..
وارد جداً طبعاً لو كانت المؤثرات ضخمة.. أو الصدمات والضربات النفسية قوية.. أو اختبارات الحياة أصعب من الاستيعاب والتجاوز.. ان التفكك النفسي يزيد عن الحد.. والتباعد الداخلى يتعدى التحمل.. والخلخلة العقلية لا يتبعها إعادة بناء.. لينتهى الأمر بأن تتمزق نفوسنا بدرجات مختلفة.. وتصيب أرواحنا درجات متفاوتة من (التفسخ).. ويحصلنا -بتعبير أستاذى د. رفعت محفوظ- فشل عقلى حاد.. وتظهر علامات المرض النفسي.. بداية من الاكتئاب.. وحتى الفصام (اللى اسمه بيوصف الكلام بوضوح دلوقت)..
بالمناسبة.. من أعراض الفصام الشهيرة حاجة اسمها Loose Association.. بمعنى عدم ترابط الجمل والتعبيرات اللى بيقولها الشخص اللى قدامك.. هو بيقول جمل أو كلمات أو أفكار.. كل واحدة منهم ليها معنى لوحدها.. لكن التنقل بينهم بيحصل فجأة وبلا تمهيد.. مافيش ربط واضح ومباشر بينهم.. بينط من فكرة لفكرة ومن جملة لجملة برعونة وبدون منطق.. وده بيعبر بوضوح عن حالة التفكك والتفسخ الداخلى اللى بيعيشها الشخص..
قبل ما تستنتج..
كلامى مش معناه خالص ان أغنية ويجز تعبر عن فصام.. أو إن فيها أى علامات لأى شئ مرضي.. مش ده المقصود خالص.. مش ويجز المقصود خالص أصلاً..
اللى أنا عمال أتكلم عنه.. وأشاور عليه.. وأفرد ليه كل هذه المقدمة الطويلة العريضة.. مش ويجز.. ولا عقل ويجز.. ولا وعي ويجز..
أنا باتكلم عن العقل (الجمعى) لعشرات ومئات الآلاف.. اللى مالوا لهذه التركيبة الكلامية (المفككة).. وعجبتهم.. وسمعوها.. وأعادوها.. وكرروا سماعها وإعادتها مرات ومرات..
باشاور على الوعي (المشترك) لأعداد ساحقة من الشباب.. اللى استهواهم عدم ترابط الكلام.. ولا اتساق الموسيقى.. استهواهم وحبوه ومزاجهم اتبسط بيه..
باوصف وأحلل انجذاب كل هؤلاء (الاندر-ايج) لصياغات تستعصى على الاستساغة النفسية.. وتفضيل تكوينات تستعصى على الهضم العقلى..
أنا فردت كل هذه المقدمة الطويلة لمحاولة فهم ما يمكن أن يعبر عنه الاختيار ده.. فى اللحظة دى.. فى المجتمع ده..
وده مش حكم.. ولا وصاية على أذواق الناس.. ولا رجعية أو اغتراب عن الفن أو الابداع.. خالص.. دى محاولة متواضعة جداً للرؤية والترجمة- قد تخطئ وقد تصيب..
***
نلم بقى الدنيا.. ونلخص الأمور.. ونرجع للى اتفقنا عليه: “عقلك الباطن.. يعبر عن نفسه.. من خلال اختياراتك..”
وبناء عليه..
تفتكر العقل الباطن (الجمعى) لهؤلاء المئات الآلاف (أو الملايين كما يرى البعض).. ومن خلال هذا الاختيار.. واللى أنا شايف وأؤكد انه هايتكرر كتير جداً فى الفترة القادمة.. بيعبر عن إيه؟
بيعبر عن ان فيه دورة نفسية مجتمعية جديدة قد بدأت بالفعل.. لكنها مش دورة نفسية عادية.. دى تسونامى نفسي ضخم.. لا يعترف بأى تركيبات مسبقة.. أو حدود متعارف عليها.. التركيبات تفككت.. والحدود تفسخت..
بيقول ان النبض العقلى الحالى عالى.. وان الخلخلة الروحية متصاعدة.. والتعتعة المرة دى جامدة..
بيقول ان القشرة الأرضية المصنوعة من أفكارى وأفكارك.. ومبادئي ومبادئك.. وقيمى وقيمك.. توشك على التصدع.. بل تصدعت فعلاً.. بأفكار ومبادئ وقيم احنا ماكناش نعرف عنها حاجة.. ولا زلنا لا نتخيل انها موجودة أصلاً.. وأهلاَ بموجات قادمة من الزلازل النفسية والبراكين العقلية.
الموروث بيخضع للأسئلة.. أسئلة عنيفة توشك أن تقتلعه من الجذور..
والمتعارف عليه بيُعاد تفنيده وتعريفه.. مع عدم الاعتراف بأي محددات مسبقة..
واللى كان (بما لا يدع مجالاً للشك) زمان.. بقى مجالاً واسعاً للشك والفحص والتمحيص..
مش ده العادى يا دكتور؟
مش كل النقلات بين الأجيال بيحصل فيها كده؟
لا.. ده غير العادى.. ده مالهوش أى علاقة بالعادى..
العالم.. والتواصل.. والوعي.. دلوقت.. فى حتة تانية خااااالص..
الميل للتفكك.. يعبر عن تفكك داخلى (أو احتمال تفكك)..
حب التفسخ وعدم الترابط.. يشي بتفسخ وعدم ترابط (قائم أو قادم)..
الانجذاب للخبطة.. يعلن عن لخبطة (موجودة أو محتملة)..
طيب نعمل إيه يا دكتور؟
لا لا.. ماتسألنيش أنا السؤال ده..
هو انت مش واخد بالك..
ان الشخص اللى انت بتقراله دلوقت..
أديله سبع سنين..
بيكتب طب نفسي.. وعلم نفس.. ووعي نفسي..
بالعامية ؟!
وأول ما نشر من كتاب..
كان عنوانه:
“الخروج عن النص”؟!د. محمـــد طــه