Frozen with Fear

يبدو إنى مالحقتش التريند بتاع (طفل البلكونة) لانشغالى بإطلاق الكتاب الجديد.. بس ده مش هايمنعنى إنى أكتب عنه دلوقت.. أنا شوفت الفيديو مؤخراً وتابعت اللى حصل بعده، بكثير من.. الخوف..
أيون.. الخوف..
 
فيه تعبير انجليزى بيوصف حالة الواحد لما يكون خايف خوف شديد.. بيقول I was frozen with fear.. يعنى “كنت متجمداً/مشلولاً من شدة الخوف”.. أنا بقى حسيت بعد ما تابعت الموضوع ده إنى فعلاً مشلول وأخرس ومتجمد من الخوف.. ويادوب لما بدأ هذا الشلل يتحسن.. و بدأ هذا التجمد يذوب.. قررت أجمع شتات نفسي وأكتب..
 
اللى أزعجنى مش بس مشهد الطفل المعلق فى الهواء ووالدته بتشده أو تزقه أو تضربه.. ولا تكرار مثل هذه الحوادث مؤخراً بشكل غريب.. اللى أزعجنى وأرعبنى وخوفنى بجد هو كم ونوعية الرسايل اللى وصلت للطفل، ولأمه، وللناس كلها، بعد انتهاء هذه الحكاية بتفاصيلها الهزلية..
 
خلينى أكون مختصر ومباشر.. وأصيغ الرسايل دى بشكل بسيط..
 
الأم (وغيرها).. وصلها إنها من حقها تعمل ده -وأكتر منه طبعاً- وقت ما تحب، وانها هاتلاقى عشرات المبررات وآلاف المتعاطفين وكتير من الجرايد والقنوات تتسابق لتظهر الجانب الإنسانى الضعيف فيها..
 
الطفل (وغيره).. وصله إنه مافيش مشكلة إن أمه تعمله physical و emotional abuse (سوء استغلال جسدى وعاطفى)، لأنها أمه اللى -أكيد أكيد- بتحبه.. و-أكيد أكيد- ماكانتش تقصد تؤذيه.. و-أكيد أكيد- هو ماينفعش يكون سبب فى دخولها السجن.
 
المجتمع والناس وكل من يعنيه أولا يعنيه الأمر.. وصلهم إنه تعريض حياة طفل للموت يمكن التجاوز عنه.. وان ايذاء الأم لأبناءها يمكن التسامح فيه.. وان الجنون والافتراء والسادية فى بعض البيوت يمكن تفهمها وتبريرها بل والدفاع عنها أحياناً.. زى ما شوفنا فى بوستات وتعليقات كتير من الناس..
 
أنا باسأل نفس السؤال اللى سأله (عمرو أديب) فى تعليقه على الحادثة دى: “طيب لو كان الولد ده وقع ومات؟ كان هايحصل إيه؟”
 
هو ده معناه اننا لازم نستنى لما الابن أو الابنة يموتوا علشان نعمل حاجة؟ تعريض حياتهم للخطر مش كفاية؟ اهانتهم وضربهم عادى؟ تكتيفهم وحبسهم ولسعهم بالنار وربطهم بسير الغسالة أوكيه؟
 
بالمناسبة… من كام شهر فى أمريكا.. تم الحكم بالسجن ٦ شهور ومراقبة وعلاج نفسي ٣ سنوات وسحب طفل عمره ٧ سنوات من أمه لأنها عاقبته بوضع (شطة) فى فمه، بعدها حطته فى البانيو تحت دش بارد..
 
مين قال إن الفقر مبرر لقسوة أم على أولادها؟ مين أفتى بإن العوز سبب مفهوم لسوء معاملة الأهل لأبناءهم؟ مين قال إن الاحتياج المادى يفسر مشهد طفل معلق فى الهواء بين الحياة والموت؟
 
أجيبلكم من الآخر؟
 
كل حد دافع أو برر أو دور على تفسير منطقى لهذا المشهد العبثى.. كان فى الحقيقة بيدافع عن الجزء السادى فيه هو شخصياً.. وبيحمى الجزء القاسي المتجبر فى نفسه.. وبيغذى بكل نهم ذلك الكائن البدائى آكل لحوم البشر الموجود داخله.. ماهو طالما (هى ليها عذر) يبقى (أنا كمان ليا عذر).. وبما إن (فيه سبب مفهوم ورا اللى هى عملته).. يبقى (فيه برضه سبب مفهوم للى أنا عملته.. أو باعمله.. أو هاعمله)..
 
حالة فريدة وعجيبة ومدهشة من “تقمص المعتدى” لم يجرؤ فرويد نفسه حتى على تخيلها.. واحتياج هؤلاء إلى التأهيل والعلاج النفسي لا يقل بأى قدر عن احتياج الأم وابنها للتأهيل والعلاج النفسي.
 
أخيراً.. أحب أبارك بقى.. آه والله..
 
أباركلكم وأبارك لنفسي على أجيال قادمة يرتبط عندها مفهوم الحب بمفهوم الأذى.. يعنى لما يحبوا.. لازم يؤذوا.. أو يتأذوا.. ومايقدروش يسيبوا أو يتخلوا عن اللى بيؤذوه أو بيؤذيهم لأنهم (بيحبوه)..
 
أباركلكم وأبارك لنفسي كمان على اختلاط معانى الرحمة بالانكار والإسقاط والتقمص والتبرير.. واختلاط مقاصد “بر الوالدين” بكسر نفوس الأبناء ومسح شخصياتهم وإطفاء نور أرواحهم.. وتفريغ كلمات مثل (الإنسانية) و (التقدير) و (التعاطف) من محتواهم الحقيقي.. وملأهم بكل أعراض متلازمة (ستوكهولم) فى كوكتيل جدلى سلوكى معرفى لا مثيل له فى الخلط والتشويه..
 
وأبارك أيضاً لنا جميعاً على أشكال جديدة من سوء المعاملة فى البيوت.. ومستويات متقدمة من السادية فى العلاقات.. ومزيد من أدوار الجانى والضحية والمنقذ.. وأمراض نفسية مجتمعية أخرى مستعصية على الفهم أو الاستيعاب أو العلاج..
 
تذكروا جيداً أننا..
لن نحصد غداً سوى ما نغرس اليوم..
 
د. محمد طه

مشاركة من خلال :

Facebook
X
LinkedIn
WhatsApp
Telegram