نور: بحبك أوى.. انت بتحبنى، مش كده؟
عمر: صمت
نور: عمر.. إيه الكلام اللى (فريدة) بتقوله ده؟ الكلام اللى فريدة بتقوله ده مش حقيقي.. صح؟
عمر: لأ يو نور هى مابتكدبش
نور: يبقى أكيد هى اللى عملت كده، أنا عارفة فريدة، فريدة أختى دايماً بتعمل الحركة دى، وانت مابتحبهاش ولا حاجة، بتحبنى أنا.. صح؟ بتحبنى أنا يا عمر؟
عمر: صمت
نور: طب ليه كدبت عليا وقولتلى ان انت بتحبنى؟
عمر: لا يا نور أنا ماكدبتش عليكى.. أنا حبيتك فعلاً..
نور: وهى..؟
عمر: احنا..
نور (مقاطعة): انتوا مين؟ انتوا مين؟ انت وأختى؟ أختى الحامل من خطيبى؟ انتوا مين؟ انتوا دى كانت احنا.. أنا وانت.. والبيت ده.. اللى احنا ناقصلنا أسبوعين ونتجوز.. كل الحاجات دى كانت إيه؟ بتضحك عليا ليه؟ بتعمل كده ليه؟
…………………………….
عمر: ماتعمليش كده فى نفسك..
نور (راكعة تحت رجل عمر): طب أعمل إيه؟ طب أنا آسفة والله.. والله أنا آسفة وحيات ربنا.. طب أنا مسامحاك.. أنا مسامحاك.. مش مشكلة.. مش مشكلة لو غلطت.. والنبى أنا آسفة.. ماتعملش كده والنبى.. والنبى يا عمر.. أنا آسفة.. طب شوف أنا غلطت فى إيه.. والله العظيم ما هاعمل كده تانى.. وحيات ربنا.. أنا آسفة.. أنا كويسة والله.. مش هاعمل حاجة تانى والله..
*****************************************
هو أكتر حاجة صادمة بالنسبة لى فى المشهد ده مش إن (نور- دينا الشربينى) ركعت تحت رجلين خطيبها (عمر) تتأسفله وتعتذرله وتترجاه (إنها هى اللى تسامحه وهى تعرف غلطها وماتتكرهوش).. ولا إن (عمر) خانها مع أختها.. ولا إن ده حصل وباقى على جوازهم أيام.. لأ.. أكتر حاجة صادمة ليا هو إنى باشوف الحكاية دى وباسمعها بشكل يومى عشرات المرات..
المؤلم بالنسبة لى كمان مش بس إن حد يخون حد، أو حد يؤذى حد.. المؤلم جداً هو إن الضحية تعتذر للجانى، وإن اللى اتأذى يتأسف للى أذى، وإن اللى اتخان يركع تحت رجل اللى خان..
*****************************************
فيه فصيلة من البشر اسمهم (Empaths- المتعاطفون، حوالى 20% من الناس).. ودول أكتر ناس بتحصل معاهم القصة دى، وبتتكرر دايماً بصورة صعبة، وغريبة، وموجعة..
تعالى نشوف مين هما الأشخاص الEmpath.. أحسن تطلع منهم..
وبعدين نعرف هانعمل إيه..
*****************************************
شوف يا سيدى..
الشخص المتعاطف Empath هو الشخص اللى عنده القدرة إنه يضع نفسه مكان الآخرين ويحس بيهم وبمشاعرهم وباحتياجاتهم.. وبعدين يرجع مكان نفسه تانى، ويتعامل مع اللى قدامه بناء على هذا الإحساس، ويقدره بناء على هذه المشاعر، ويلبى احتياجاته كما شعر بها وهو مكانه..
لكن أحياناً تحصل مشكلة.. وهى إن الشخص ده لما يحط نفسه مكان حد، يعلق هناك شوية.. أه بجد والله.. يفضل هناك (عند الآخر) لوقت أطول، وعمق أكتر من اللازم.. فيحس بيه أوىييييييييي.. ويغرق فى مشاعره بزيادة.. ويتوجع لاحتياجاته أكتر من صاحبها شخصياً.. وتتحول الحكاية من (التعاطف) إلى (التقمص)، وبعد شوية لما يرجع مكان نفسه تانى، يبقى مش (بس) عاوز يساعد ويقدر ويحترم ويلبى.. لأ.. ده يتصور إنه هو شخصياً سبب الوجع، ومسبب الأذى، ومصدر الحرمان.. ويتخيل فعلاً إن الطرف التانى (ضحية).. ضحيته هو.. رغم إنه ماعملش أى حاجة.. أو عمل حاجة عادية جداً.. أو أصلاً هو اللى اتعمل فيه.. ويبدأ يحس بالذنب.. ولوم النفس.. وجلد الذات.. ويعتذر.. ويتأسف.. ويغرق فى دور (الجانى) اللى ماجناش على حد.. وبعدين فى دور (المنقذ).. اللى مش هايعرف بعد شوية ينقذ نفسه.. ويتحول أخيراً (لضحية) حقيقية ممكن كان يعتقد أنه قد جنى عليه..
انت قدام حد بيتنقل ما بين أضلاع ورؤوس وزوايا مثلث العلاقات لغاية ما يتقطع نَفَسه..
كل ده لأنه (أو لأنها.. وده الغالب) بتحس بزيادة.. وتتعاطف بزيادة.. وتحس بالذنب بزيادة..
الأِشخاص دول زى ما يكون عندهم قرون استشعار لألام من حولهم.. وريسيفرات هوائية لاقطة لمعاناة من يحبون.. وكأنهم بيجذبونها.. ثم يمتصونها.. إلى أن تتحول إلى أجزاء منهم.. لدرجة إنهم أحياناً بيشعروا بآلام جسدية لو شافوا حد بيتألم جسدياً.. وتتلون أيامهم بالبؤس لو مر أحد البائسين بجانبهم.. وقد لا ينامون الليل.. من مشهد قطة تمشى وحيدة على أحد الأرصفة..
منحة ربانية عظيمة.. يملؤها الشعور المرهف والأحاسيس العالية.. تتحول إلى لعنة انسانية بشعة.. عند أول مُستغل يطرق الباب..
أيوه.. بالظبط..
علشان اللى بيلقط النوع ده من البنى آدميين.. واللى بيعرف يحسهم ويميزهم ويصطادهم.. هم المستغلين.. والنرجسيين.. والسيكوباث.. أو كلهم مجتمعين فى شخص واحد أحياناً..
قبل ما أتكلم عن العلاقة بين النرجسي والمتعاطف(ة)Empath.. ,واللى صال فيها التحليل النفسي وجال.. خلينى أقولك فى نقط سريعة باقى صفات هذه الفصيلة النادرة من البشر (زى ما وصفها أندريه سولو):
– بتحس بمشاعر وآلام الآخرين بدرجة كبيرة وكأنها تخصك.
– تجيلك أحياناً نوبات من المشاعر الجياشة فجأة وبدون مقدمات (حزن شديد مفاجئ، ألم نفسي غير مبرر،……)
– بتهتم جداً بروح الأماكن أكتر من الأماكن نفسها.. وبالانطباعات الأولى أكثر مما بعدها..
– بتحس وتفهم اللى قدامك من غير ما يتكلم أو يحسن الصياغة أو يجيد التعبير.. لأنك بتحط نفسك مكانه بسرعة..
– بتسمع أكتر ما بتتكلم، وتصغى أكتر ما بتصيغ، وده بيخلى اللى حواليك يحكولك، ويشكولك، ويفضفضوا معاك.
– بتحس بجسمك زى ما بتحس بمشاعرك.. وبتتألم بجلدك زى ما بتتألم بقلبك..
– مابتستحملش مناظر العنف والدم والدراما والمآسى الإنسانية حتى لو كانت فى التليفزيون.. حتى لو كانت خيالية..
– لما تحب.. بتحب أوى.. بتغرق فى الحب.. ومش بتمسك نفسك فى التعبير عنه والتصريح بيه.. حتى مع الأطفال.. حتى مع الحيوانات..
– سهل أوى فى أى علاقة إنك تسمح للطرف التانى إنه يخترق حدودك.. أو يتدخل فى شؤونك وخصوصياتك.. أو يستغلك.. أو -بالبلدى- يبلعك..
– لما اللى قدامك يكدب عليك بتحس.. لما يخدعك بتحس.. لما يتلاعب بيك بتحس.. بس مش دايماً بتصدق إحساسك.
– تأثيرك على اللى حواليك ملطف.. ومساعد.. و-حرفيا- بيوصفوك بإنك “زى البلسم”ماتقدرش تشوف حد محتاج مساعدة وماتساعدهوش.
نقول كمان..
منحة ربانية عظيمة.. يملؤها الشعور المرهف والأحاسيس العالية.. تتحول إلى لعنة انسانية بشعة.. عند أول مُستغل يطرق الباب..
*****************************************
يجي بقى شخص نرجسى أنانى مستغل.. مش بيحب غير نفسه (لأنه اتحب زمان بشروط).. ومش بيشوف غيرها (لأنه ماتشافش بجد من أهم الناس ليه).. شخص بيتكلم عن نفسه طول الوقت (علشان يتغلب على إحساسه الداخلى بعدم القيمة).. وبيطيل الحديث عن قدراته ومغامراته ونجاحاته (بالرغم من تفاهتهم أحياناً).. شخص لا يشبع من المديح والإطراء والتصفيق (لأنه اتحرم منهم زمان).. شخص يمص دم من أمامه بكل برود لمجرد إنه يثبت إنه موجود.. فوجوده -بالنسبة له- لا يعنى إلا سحق الآخرين..
طفل جريح مهزوم.. داخله وحش كاسر مفترس.. يلتهم أول يد تمتد لمساعدته..
الشخص ده بقى لما يدخل فى علاقة حب.. يختار مين؟
أيوه.. عليك نور.. يختار حد Empath.. حد يحس بيه بزيادة.. ويقدره بزيادة.. ويلبى له احتياجاته بزيادة..
يختار حد بيتصور طول الوقت إنه مقصر.. ومذنب.. ومُلام..
حد حاسس إنه مضطر يكفر عن ذنوبه وسيئاته وأخطائه طول الوقت..
حد بيفضل اللى قدامه على نفسه.. ويسمحله يدوس عليه بكل أريحية.. لمجرد إنه يرضى.. ويتبسط.. ويشبع..
لكنه فى الحقيقة.. لا هايرضى.. ولا هايتبسط.. ولا هايشبع..
لأنه بالظبط زى مصاص الدماء.. كل ما يمص دمك.. نفسه تتفتح أكتر..
الرجالة النرجسيين (75% من النرجسيين ذكور) بيبهدلوا الستات اللى معاهم حرفياً.. ويشرًحوهم نفسياً.. ويجننوهم عقلياً..
دائرة مغلقة بائسة من الجذب والتدمير Attraction- Destruction.. يحسسِك فى الأول إنك أميرة الأميرات وملكة الملكات.. وأول ما يملكِك، تبقى عنده أقل واحدة في الدنيا، ويرميكي تحت رجليه..
يتلاعب بمشاعرِك.. ويحسسِك بالذنب والتقصير عمال على بطال..
يشككك فى نفسك.. ويغير استقبالك ليها.. ويشوه رؤيتك لملامحك.. حتى فى المراية..
يهددك بالهجر مرة.. وبالمرض أو الانتحار مرة.. وبالأذى والويل مرة.. وبعدين يجي يبكى ويبوس إيديكى ورجليكى مرة ورا مرة.. فتحنيله.. ويصعب عليكى.. وتحسى بالذنب انك هاتسيبيه وتتخلى عنه.. وينقح عليكى دور (المنقذ) اللى هايسامحه ويعالجه ويصلح حاله.. علشان تبدأ دورة جديدة من إدمان الشقاء والمعاناة.. مع شخص يعيش على تضحيتك.. ويستنزف عطاءك.. ويغذى نرجسيته وانتفاخ ذاته بإحباطك وكبتك وإخفات نورك يوم بعد يوم.. وساعة بعد ساعة.. وثانية بثانية.. حتى آخر شعاع ضوء.. من شمس وجودك اللى كان مالي الدنيا بالوهج والنور..
*****************************************
أقولك نكتة قبل ما أخلص..
من 4 سنين، كان فيه مسلسل مشهور (للكاتبة الموهوبة مريم نعوم برضه) اسمه “تحت السيطرة”.. المسلسل ده كان فيه مشهد مشهور أوى.. كتبت عنه وقتها.. المشهد ده رجعت فيه البطلة (هانيا) لحبيبها (على) بعد ما اتخلى عنها وباعها وسلمها بإيده لتاجر مخدرات يعمل فيها اللى هو عاوزه، مقابل جرعة بخسة من المخدر..
(هانيا) رجعت ل(على) وكأنه لم يؤذيها.. وكأنه لم يستغلها.. وكأنه لم ينتهك جسمها ويهينه ويتاجر بيه..
مشهد (نور وعمر) هو صورة أخرى من مشهد (هانيا وعلى).. وصورة أوضح من مشاهد كتير تانية لأسماء نعرفها أو مانعرفهاش..
مشهد يبدو إنه لم ولن يتوقف فى كثير من علاقات الحب والارتباط والزواج والتربية وغيرها..
مشهد عمال يتكرر بشكل يومى متتابع، وبصورة بائسة مؤلمة.. تخلو من أى منطق.. وتناقض أى عقل..
مشهد يكون أحيانأ.. قصة حياة كاملة..
*****************************************
أنا ماعرفش (نور) فى المسلسل هاتعمل إيه؟
ولا أعرف شمسها ونورها ووهجها هايختفوا امتى وازاى؟
ولا أعرف هى هاتعمل إيه وهاتنقذ نفسها واللا لأ..
بس اللى أعرفه.. ومتأكد منه..
إنك لو لقيتى نفسك مكان (نور)..
ماتترديش ثانية واحدة فى إنك تقطعى العلاقة دى فوراً.. مهما كان ده مؤلم..
وإنك توقفى نزيف المشاعر البطيئ والمستمر بشكل يومى.. مهما كان ده صعب..
وإنك تبطلى لعب دور المنقذ الطيب المسامح دائماً، والمعتذر أبداً..
اطلبى منه يروح يتعالج.. واعرفى ان علاجه – لو اتعالج- بيكون صعب وشاق وطويل..
واعرفى إن دى مش مهمتك.. ومش شغلتك.. ومش مسئوليتك..
وان مسئوليتك الوحيدة هنا والآن..
هى التعافى..
وانقاذ نفسك..
ونفسك فقط..
من مصير (نور)..
اللى زى الشمس.. لما تنطفى..
د. محمد طه