(1)
بيولوجيًّا.. كل واحد فينا فيه هرمونات ذكورة وهرمونات أنوثة بغض النظر عن جنسه..
يعني الراجل فيه –بشكل طبيعي- نسبة معينة من هرمون الذكورة (تستيستيرون) ونسبة أخرى أقل من هرمون الأنوثة (استروجين).. وكذلك المرأة فيها نفس النوعين من الهرمونات بس بنسب مختلفة..
ده على مستوى التكوين الجسدي البيولوجي.. ومعظمنا عارف الكلام ده من أيام دراسة الأحياء في ثانوية عامة..
لكن اللي مادرسناهوش في الأحياء ولا في غيرها ومش عارف ليه أو إزاي لغاية دلوقت.. هو إن كل واحد فينا جواه على المستوى النفسي نفس التركيبة دي بالظبط..
يعني –نفسيًّا- الرجل جواه رجولة وأنوثة، والمرأة جواها رجولة وأنوثة.. بس بمواصفات ومعاني ووظائف نفسية مختلفة..
إيه النكتة الظريفة دي؟
إيه الكلام الغريب والصعب ده؟
في الحقيقة هو مش نكتة ولا كلام غريب ولا صعب.. بس إحنا اللي ساعات بنتجاهل أبسط الحقايق وأوضحها.. ده إحنا حتى في كلامنا اليومي المعتاد بنستخدم كتير تعبيرات زي (ست بميت راجل)، و(راجل منسوِن)..
إيه الموضوع؟!
الموضوع ببساطة هي إن الرجولة (النفسية) اللي جوه حضرتك (كذكر)، هي المسئولة عن صفات زي الشجاعة، والجدعنة، والشهامة، والإصرار، والتحدي، والمثابرة، وما إلى ذلك.. والأنوثة اللي جوه حضرتك (برضه كذكر)، مسئولة عن صفات زي الحنية والقرب والمودة والرحمة والطيبة ورقة القلب وغيرها..
نفس الكلام بالنسبة ليكي (كأنثى).. الرجولة (النفسية) اللي جواكي هي اللي بتخليكي في بعض الأوقات والمواقف شجاعة وجدعة ومسئولة ومش بتيأسي وعندك استعداد تحاربي وتتحدي الكون كله علشان توصلي لهدفك.. والأنوثة اللي جواكي، هي اللي في مواقف تانية بتطلع منك الحنان والحب والعطف والقرب والأمومة والرقة والطيبة والسماح..
ده بفرض إن حضرتك (رجل طبيعي)، وحضرتك أنثى طبيعية.. وساعتها بنسمي ده (رجولة حقيقية)، ونسمي دي (أنوثة حقيقية).. ويكون موجود جواك وجواكي خليط متناسب من الاتنين.. فتكون شجاع وفي نفس الوقت حنين، شهم وفي نفس الوقت خجول، تعرف تشيل المسئولية وفي نفس الوقت متسامح.. متحدي وفي نفس الوقت قريب وودود.. وهكذا..
وإنتي تكوني طيبة وفي نفس الوقت حدودك واضحة، حنينة بس صارمة عند اللزوم.. رقيقة وفي نفس الوقت جدعة.. عطوفة وفي نفس الوقت مش بتسيبي حقك.. وهكذا.. وهكذا.. وهكذا..
وكل ما تكون (كرجل) قريب من (الأنوثة الحقيقية) اللي جواك.. كل ما تكون صفاتها جزأ لا يتجزأ منك، ومش صعب عليك في وقت من الأوقات التعامل بيها، وكل ما تكوني (كأنثى) قريبة من (الرجولة الحقيقية) اللي جواكى.. كل ما تكون خصائصها جزءًا أصيلًا من مكوناتك الشخصية، وتستخدميها في أوقاتها المناسبة..
كل اللي فات ده هو الطبيعي.. اللي من المفترض يكون عندنا كلنا.. بشكل تلقائي وفطري وسليم من ساعة ما بنتولد.. والكلام ده كتب فيه وقاله كتير من علماء النفس من أول (كارل يونج) مروراً ب(هارى جانترب) و (دونالد وينيكوت)، وانتهاء بدكتور (يحي الرخاوى) و (د. رفعت محفوظ) و (د. أحمد كمال).
لكن..
وآآآآآآآاه على اللي بعد لكن..
ندخل على الوجع بقى..
بس بعد ما تاخد نفسك شوية..
(2)
مشهد 1:
– طفل عنده 5 سنوات.. حد من أصحابه ضربه وهو بيلعب معاه..
– الأب: إوعى تعيط، الرجالة مش بتعيط.. البنات بس اللي بتعيط! خليك راجل.. خليك خشن..
– يتكرر هذا المشهد مرات كتيرة وفي سياقات مختلفة..
– بعد سنة.. الطفل ياخد قرار نفسي داخلي إنه يدفن ملامح أنوثته الحقيقية اللي جواه علشان وصله من أبوه إنها ضعف، وإن الضعف الإنسانى شيء غير مقبول.. وبما أن الأنوثة الحقيقية والرجولة الحقيقية مرتبطين (ومتعشقين) في بعض بشكل فطري، فهو كمان هايدفن رجولته الحقيقية ويستبدلها (برجولة مزيفة).. يعني يطلع راجل خشن، قاسي، بيستعرض عضلاته وقسوته وصوته العالي وافتراءه وعنجهيته على خلق الله، عمَّال على بطَّال..
مشهد 2:
– بنت عندها 6 سنوات، لابسة فستان جميل بحمالات، وفرحانة بشعرها وجمال جسمها..
– الأم: إيه يا بنت اللي إنتي لابساه ده؟ بلاش مسخرة وقلة أدب.. أمال لما تكبري هاتعملي إيه؟
– وفي مرة أخرى، حد من قرايبها أو أصحاب باباها أو جيرانها يمد إيده على جسمها بشكل حيواني سافل..
– بعد شوية، ومع كمية رسايل في نفس الاتجاه، تصل البنت إلى استنتاج بسيط جدًّا، وهو إن الأنوثة عيب، أو الأنوثة حرام، أو الأنوثة (عار)، وإن (الأنوثة) بتجيب المشاكل، وتجيب الكلام، وتشجع الناس إنهم يمدوا إيديهم عليها ويتحرشوا بيها ويسيئوا استغلالها..
– تاخد البنت قرار نفسي داخلي تفضل عايشة بيه طول عمرها، وهو إنها تدفن أنوثتها الحقيقية وتعيش بأنوثة مزيفة علشان تتعايش مع اللي حواليها.. وكمان تدفن رجولتها الحقيقية، وتستبدلها برجولة مزيفة..
– نفس البنت عندها 20 سنة، قاصة شعرها قصة رجالي، بتتكلم بأسلوب فج، لابسة قميص كارو، على بنطلون شبيه جدًّا بالبنطلونات الرجالي.. وعندها يقين (معذورة جدًّا فيه) إنها لو ما عملتش كده، وعاشت راجل (مزيف طبعًا) في هذا المجتمع، فهي مش هاتاخد حقها، وهايتداس عليها، وهاتتبهدل..
– بنت شبهها واتعرضت لنفس التجربة بالظبط.. تعيش بأنوثة (مزيفة)، مليانة ميوعة ومياصة وإغواء وصوت سافر وضحكة تجيب آخر الشارع، لأنها قررت بعقلها الباطن تنتقم من كل اللي آذوها بأنها تخليهم (يريِلوا) من الجري وراها بالمعنى الحرفي..
قبل ما الدنيا تتلخبط، وتفقد تركيزك.. أنا هالخصلك الكلام ده كله في سطرين..
إحنا كلنا بنتولد وجوانا رجولة حقيقية (الجدعنة والشجاعة والإصرار وغيرهم)، وأنوثة حقيقية (الحنية والقرب والمودة وغيرهم).. والرسايل اللي بتوصلنا من التربية والمجتمع وساعات الفهم غير الصحيح للدين بتخلينا ناخد قرارات نفسية مصيرية عند سن معين بدفن أحدهما أو كليهما (لأنهم مرتبطين ببعض) واستبدالهم برجولة مزيفة (قسوة وخشونة وافترا)..أو أنوثة مزيفة (ميوعة ومياصة وإغواء سافر).. أو الاتنين.. وده بيحصل عند الستات والرجالة على حد سواء..
حلو الكلام؟
إنت اسمك مكتوب؟
لقيتي اسمك برضه مكتوب؟
اكتشفت أي حاجة في نفسك أو في حد تعرفه؟
طيب..
(3)
مجتمعنا الجميل..
بيوتنا الرائعة..
إعلامنا المثالي..
بيوصل لينا إيه من الرسائل النفسية بخصوص الموضوع ده؟
بيقبل صفات الأنوثة اللي المفترض تكون موجودة بشكل طبيعي في الرجالة؟
بيقبل صفات الرجولة اللي مهم تكون موجودة بشكل تلقائي في الستات؟
بيشجع على الرجولة الحقيقية واللا بيزرع فينا الرجولة المزيفة؟
بيحترم الأنوثة الحقيقية واللا بيدفنها ويخلق مكانها الأنوثة المزيفة وبكل إصرار؟
أنا مش هاجاوب.. علشان الإجابات أنتم عارفينها أكتر وأحسن مني..
(4)
من أجمل أوصاف الأنوثة (الحقيقية طبعًا) إنها هي الـ Being، يعني الوجود.. ليها علاقة بأصل الوجود الإنساني وكينونته.. ولو لاحظت هاتلاقي كل صفات الأنوثة (الحقيقية) اللي قلناها مرتبطة بنوعية وجود إنساني معين (الحنية، الود، القرب،….)، وفي المقابل، بتتوصف الرجولة (الحقيقية برضه) بأنها مرتبطة بالـ Doing، يعني الفعل.. وليها علاقة بالحركة وطاقتها (الإصرار، الشجاعة، التحدي…….)، والأجمل والأجمل إن الفعل ما ينفعش من غير وجود.. يعني مهم أكون موجود وأحس بوجودي الأول علشان أقدر أتحرك وأفعل وأنفذ بعد كده..
الرجولة مالهاش أي معنى أو وظيفة لو مش مبنية ومتأصلة على وجود وكيان أنثوي حقيقي..
علشان كده دور الأم في التربية مهم وسابق جدًّا عن دور الأب.. والأم هي اللي بتقوم في أول سنتين من عمر الطفل (سنوات الرضاعة) بترسيخ وزرع شعوره بكيانه وبوجوده من خلال كيانها ووجودها وقربها الجسماني والشعوري والحسي منه.. وبعدها يجي دور الأب اللي بيزرع فيه طاقة الفعل ورد الفعل والحركة..
(5)
زي ما فيه رجولة وأنوثة في الأفراد.. أنا بأفترض إنه فيه رجولة وأنوثة في المجتمعات.. بمعنى إنه فيه مجتمع (ذكوري- مش هاقول رجولي).. ومجتمع (أنثوي- وده لسه ما عرفهوش أوي).. وطبعًا إنتوا عارفين الكلام اللي جاي:
مجتمعنا (ومجتمعات تاني كتير) قرر –من زمان جدًّا- يرفض الأنوثة ويحاربها ويشوهها ويدفنها، مرة باسم التريبة، ومرة باسم العادات والتقاليد، ومرة باسم الفهم المغلوط للدين..
مجتمعنا قرر يستبدل الأنوثة الحقيقية، بأنوثة مزيفة تُرضي –في الظلام- رجولته القاسية المتسلطة (المزيفة برضه)..
مجتمعنا قرر -وبكل بساطة- يحرم نفسه من أجمل ما فيه، ويشوه أروع خلقه، وينتقم من نفسه.. في نفسه..
إحنا بنخاف من المرأة.. بنخاف من الأنوثة.. علشان كده بندفنها..
إحنا مرعوبين من وجودها وقدراتها وحيويتها.. علشان كده بنموتها بالحياة..
إحنا مهددين من إحساسنا بالضعف قدامها.. علشان كده بنستقوي ونفتري عليها..
بنوصفها إنها متقلبة المزاج.. رغم إن الطبيعة نفسها متقلبة المزاج.. وفيها ليل ونهار وصيف وشتا.. الأنوثة برضه فيها ليل ونهار.. وصيف وشتا.. لأن وجودها مرتبط بوجود الطبيعة وكيانها وصفاتها..
بنشوه جسمها باسم الدين كذبا وزورا وبهتانا وافتراء.. علشان نحرمها من مجرد الشعور بجسمها واحتياجاته، اللي بنعتبرها مش من حقها..
بنفرض عليها بوصايتنا الغاشمة طريقة كلام وطريقة شغل وطريقة عيشة، هي أقرب للعبد في حضرة السيد.. علشان نتغلب على إحساسنا العميق بالخوف والضعف والتهديد من مجرد وجودها وكيانها وحياتها..
بنطفيها.. لأننا خايفين نتحرق من نورها..
بنهينها.. لأننا مرعوبين من إحساسها بكرامتها..
بنخنقها.. لأننا مش قادرين نستحمل انطلاقها وحريتها..
الأنوثة هي الإبداع..
هي الإلهام..
هي الحرية..
هي الوجود..
والجمال..
والنور..
هي لمعة العين.. ونبضة القلب.. وشهقة الدهشة..
هي الأرض الخصبة.. والسماء المحتوية الساترة..
هي البداية.. والنهاية.. والرحلة..
الأنوثة هي رحم الحياة..
يا رجال..
ما تحرموش نفسكم من أنوثتكم..
د. محمد طه