خلال الأيام والأسابيع اللى فاتت:
– اسراء غريب.. فتاة فلسطينية خرجت مع خطيبها (وأخته) بعلم والدتها، وصوروا فيديو مع بعض فى مكان عام ونزلته على انستاجرام.. قريبتها (البنت) عرفت باقى أهلها.. فاخواتها الذكور وزوج أختها انهالوا عليها بالضرب عقاباً ليها على فعلتها الشنعاء.. حصلها كسر فى العمود الفقرى، ودخلت المستشفى.. بعدها بساعات، راحوا وراها المستشفى بصحبة والدها، وكملوا ضرب وتعذيب وعقاب. خرجت من المستشفى، علشان تاخد الضربة القاضية على رأسها من أخوها اللى كان/أو مازال عايش فى كندا..
– جريدة النهار 14 أغسطس 2019: “غسلنا العار”… كان ملخص اعترافات أب مصري ونجله، بارتكاب جريمة قتل مروّعة، لابنته (16 عاماً) وعشيقها الذي يعمل سائق “توك توك”، بعد رؤيتهما يمارسان الجنس، ليذبحهما ويلقي بجثتيهما في الشارع. الأب الذي يعمل موظفاً بإحدى الشركات بمحافظة البحيرة، كان عائداً إلى منزله بصحبة نجله المراهق في ساعة متأخرة بعد قضاء وقت في أحد المقاهي. يعنى الأب وابنه كانوا راجعين من القهوة نص الليل، لقيوا البنت اللى عندها 16 سنة فى أحضان عشيقها، دبحوها.. آه والله دبحوها.. رغم إن الدين فيه حاجة اسمها التوبة، ورغم ان العرف فيه حاجة اسمها الستر، ورغم إن السلوك الانسانى فيه حاجة اسمها البحث عن الأسباب وامكانية العلاج والتقويم. المفاجأة بقى إن أغلب تعليقات الناس على السوشيال ميديا على الخبر ده كانت من عينة “راجل”.. “هى دى الرجولة”.. “جدع”..
– انتشر تريند بشكل Viral عن مشهد من فيلم (أولاد رزق 2).. المشهد بيقوم فيه (أحمد عز) بضرب زوجته بالقلم على وشها لما بتطلب منه الطلاق، ويقولها: “طلاق مين يا مرة يا بنت…… انتى فاكرة نفسك متجوزة مدرس باليه؟ يا عيلة ……. ده أنا أخلع دماغ أمك وأركبها على دولفين…..”، المدهش إن التريند ماكانش عن مقاومة العنف ضد المرأة ولا عن رفض استخدام الألفاظ والتعبيرات البذيئة.. لأ.. التريند كان عن وسامة أحمد عز، وجماله، وإنه قد إيه (باد بوى).. يعنى (واد صايع مدقدق عنيف وفى نفس الوقت مثير وجذاب).. المدهش أكتر هو إن التريند ماكانش من الشباب.. التريند كان من الشابات والسيدات اللى معجبة بهذا الموقف السادى السيكوباثى.
– شابة جاتلى العيادة بالقاهرة عندها 20 سنة، ابوها حبسها فى البيت شهر علشان (ماسمعتش كلامه).. وهددها بإنها لو ماسمعتش الكلام تانى هايطلق أمها.. البنت جايلى بمحاولة انتحار.
– شابة أخرى فى أوائل العشرينايات، شوفتها فى إحدى السياقات العلاجية بصعيد مصر، بتوصف إزاى أبوها بيضربها وبيكتفها وبيمنعها من الخروج بمنتهى البشاعة، وانها بتحضر جلسات العلاج النفسي من وراه.
– عمرو دياب منزل أغنية بيتكلم فيها عن يوم التلات.. اللى قابل فيه تلات بنات.. واحدة بيضا وواحدة سمرا وواحدة حلاوتها فى روحها..البنات عزموه على الغدا.. وفتفتوا الفتافيت!!! الصبح طلع عليهم.. وواحدة واحدة كانت عليه بتميل.. وفتفتوا الفتافيت تانى!!! ولأن الأغنية بتوصف حالة من الذكورية الشرقية الشهيرة، والفحولة المغوارية المعروفة.. فهو قعد طول الأغنية يوصف فى جمالهم.. وشعرهم الحرير.. وسحرهم الخطير.. واغواءهم واغراءهم وفتنتهم ليه.. وقد ايه كان محتار بينهم.. يختار مين ويسيب مين.. واللا يجمع بينهم هما التلاتة.
إيه بقى الرابط اللى يجمع كل الحاجات دى مع بعض؟ وإيه علاقة عمرو دياب بالصعيد بالقاهرة؟ وإيه المشترك بين أحمد عز وحكاية إسراء غريب؟
الرابط هو نظرتنا للمرأة.. ورؤيتنا المختزلة لها..
العلاقة هى موروثاتنا الثقافية عنها.. واللى كلنا عارفينها كويس.. وبالتفصيل المملل..
المشترك هو احتقار الأنوثة ومحاولات دفنها حية منذ الجاهلية وحتى اليوم..
عاوز أمثلة تانى.. خد عندك:
– تخلص أب من ابنته في البحيرة، حيث خنقها حتى فارقت الحياة، مرجعا السبب إلى سوء سلوكها وسمعتها، وادعى أن وفاتها طبيعية، لكن رجال المباحث كشفوا حيلته (الوطن- 14 أغسطس 2017).
ده قتل بنته علشان سلوكها.. اللى هو شريك فى صنعه من خلال تربيته لها، واللى هو كان يقدر يساعدها تغيره لو كان قريب منها، وبيسمعها، وبيحاول معاها.
– تخلص عامل بقرية تابعة لمركز الخانكة من ابنته، البالغة 18 عاما، بوضع مبيد حشري لها في الطعام ولقيت مصرعها، لشكه في سلوكها (الوطن- 15 أبريل 2017).
ده بقى قتل بنته اللى عندها 18 سنة علشان (شك) فى سلوكها.. شك.. مجرد شك..
عاوز تانى؟
ابحث على جوجل عن “أب يقتل ابنته” كده وشوف بنفسك..
واتحداك طبعا لو لقيت حالة واحدة فيها أب يقتل (ابنه) علشان لقاه فى حضن واحدة.. رغم انها بنت ناس برضه
احنا فى ثقافة بتحتقر المرأة، وتهين وجودها ، وتعتبرها سبب للفتنة، وللتحرش، وللفساد، وأحياناً لغلاء الأسعار!!
احنا بنسيئ استخدام الدين، ونستسهل فى فهمه وتوصيله، بدون اجتهاد أصيل، وبدون تجديد وتحديث عصرى حقيقي، علشان نحرم الأنثى من حقوقها اللى ربنا منحها لها كما منحها للرجل تماماً..
ازاى تفهم الراجل إن القوامة معناها إنه ليه أفضلية وفوقية على المرأة، وماتستناش منه إنه يحتقرها؟ رغم إن القوامة الحقيقية حاجة تانية خالص..
إزاى تقوله إن زوجته لو رفضت تنام معاه بالليل هاتبات الملائكة تلعنها لغاية الصبح، ومش عاوزه يسلبها حريتها وإرادتها وحقها فى الاختيار؟ رغم وجود تفسيرات وروايات أخرى لنفس الحديث..
إزاى توصله إنه من حقه يضرب مراته لو ماسمعتش كلامه، ومش عاوز الأب والزوج والأخ يحس إنه يملك سلطة الثواب والعقاب على الأم والزوجة والأخت.. رغم إن كلمة (ضرب) فى اللغة والقرآن ليها عشرات المعانى الأخرى..
إزاى تقنعه إن أمه وأخته وبنته ومراته ناقصين عقل، وناقصين دين.. وعاوزه يحترمهم ويقدرهم ويديهم حقوقهم؟ رغم اختلاف تأويلات واستنتاجات نفس الحديث الشريف.
وأمثلة أخرى أكثر وأخطر.. صعب أكتبها للأسف..
النتيجة الطبيعية هى تشويه كامل لمفهوم الأنوثة عند الرجال.. وعند النساء أيضاً..
سادية تامة عند الذكور.. ومازوخية غريبة عند الإناث..
نرجسية وسيكوباثية غير مسبوقة عند حاملى كروموسوم واى.. وسحق ودهس واعتمادية مطلقة عند حاملات كروموسوم اكس..
طب وبعدين؟
هنعمل إيه؟
مش عارف.. والله فعلاً مش عارف.. ومش عاوز أحلل وأرتب وأنظر .. فما يحدث أكثر ألماً من أى تحليل، وأكثر بلاغة من أى تنظير..
بس أعتقد إننا لو عاوزين نصلح بجد.. ولو عاوزين نبدأ بداية صحيحة..
يبقى مطلوب نراجع ثقافتنا.. ونعيد فهم ديننا.. ونجدد فى خطابه..
نشوف من أول وجديد.. بدل ما نستسهل ونغمض عينينا..
نندهش من أحوالنا الغريبة.. ونتألم منها.. ويمكن نندم عليها..
مطلوب نحس ببعض المسئولية الحقيقية عما وصلنا إليه..
من غير ما ده يحصل.. ويحصل بكل شجاعة وبسالة وجرأة..
يبقى بكل أسف.. مافيش أمل.. مافيش أمل..
د. محمد طه